رواية فاذا هوى القلب(كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم
معلمتها بثيابها التحتية فأخفضت بصرها للأسفل
هتفت أمها قائلة بحدة
روحي هاتيلي المرهم من الدولاب!
رفعت أروى رأسها لتنظر نحوها قائلة بحيرة
هزت أروى كتفيها نافية
أنا معرفش انتي بتحطيه فين
استاءت جليلة من جهل ابنتها بمكان وضعها للأدوية فصاحت بتذمر
مابتعمليش أبدا
اللي يطلب منك!
ثم نهضت بتثاقل من مكانها متابعة
خليكي هنا لحد ما أروح أجيبه وأرجع!
ماشي!
انتبهت أروى لصوت قرع الجرس فتركت ما في يدها على طرف الأريكة وركضت في اتجاه الباب لتفتحه وهي تصيح
ايوه
أنا شوفت الخناقة كلها انت عجنته كده و
قاطعها قائلا بهدوء وهو يعبث برأسها
ايه ده
ردت عليه أروى بعفوية
مس بسمة!
أشاح وجهه بعيدا مغمضا عيناه بحرج كبير وإنتابه حالة من الإرتباك والتخبط
يا حاجة ايه اللي انتي عملاه ده
حضرت جليلة على إثر صوته حاملة في يدها دواءا ما وردت عليه بنبرة عادية
في ايه يا دياب
لوح لها بذراعه للخلف قائلا بحرج كبير ظاهر في نبرته
ماتغيريلها جوا واستريها مش يعني مايصحش كده
لاحظت هي توتره والاضطراب الواضح عليه فبررت فعلتها قائلة
تفتكر هاشيلها لوحدي ازاي
فرك وجهه بتوتر أكبر وهو يردد بامتعاض
ردت عليه ببراءة وهي تشير بيدها
بأساعد ماما
صاح بها بغلظة
هي هتتصرف لوحدها يالا!
لحقت به قائلة بابتسامة خفيفة منفذة لأمره
طيب!
رفعت حاجبها للأعلى ووضعت يدها على طرف ذقنها لتحكها قليلا متمتمة بتعجب
بتكسف أومال لو مكونتش متجوز قبل كده!
تمكن الصبي حسن من فتح القفل الصدأ فتعاونت أسيف معه في دفع باب الدكان الثقيل للداخل أصدر صريرا قويا وهو يتحرك على إثر دفعتهما
بعد لحظات تمكنا من إزاحته وفتحه على مصرعيه
سعلت أسيف فجأة من التراب العالق في الهواء بداخله فانحنت للأمام قليلا واضعة ليدها على فمها
استغرقها الأمر عدة ثوان لتعتاد على الجو بداخله
تحرك الصبي خلفها وبحث عن مفتاح الإنارة على جانب الحائط وجده على يده اليسرى فضغط علييه لينير فقط مصباحا واحدا قديما متدليا من السقف
اعتدلت في وقفتها ونظرت بأعين لامعة متأملة المكان من حولها
جابت بأنظارها ببطء شديد تفاصيله ممتعة عينيها بما فيه
شعرت كأنها قد عادت بالزمن إلى الوراء حيث جدها وأبويها الراحلين
كان كل شيء عتيقا تفوح منه رائحة الزمن القديم أغلب ما به متهالك ويحتاج للإصلاح أو التبديل
رأت به مكتبا خشبيا في أحد الأركان وكذلك حزانة ما مفتوحة موضوع بها عدة أرفف وأخرى منغلقة بجوارها كذلك طاولة خشبية يقف خلفها أحد الأشخاص تستخدم للبيع
ابتسمت لنفسها بسعادة خفية كانت كمن استعاد جزءا من ماضيه المفقود
أخرجها من حالتها المتأملة تلك صوت الصبي حسن وهو يقول
كتر خيرك هاتعبك معايا
تحت أمرك يا ست الكل!
قالها الصبي وهو يستدير بجسده ليخرج من الدكان تاركا إياها بمفردها
عاودت أسيف التحديق فيما تملك من إرث غال اعتبرته لا يقدر بأي ثمن
لفت أنظارها ذلك الإطار الخشبي الذي يضم
صورة فوتغرافية قديمة
لرجل ما في
شبابه يرتدي جلبابا ريفيا يحاوط صبيا بذراعه
تحركت نحوها لتتبين تفاصيلها أكثر فالتوى ثغرها بابتسامة صادقة بعد أن عرفت هويتهما
في نفس التوقيت ورد إتصالا هاتفيا له وقد أوشكت قدماه على وطأ عتبة وكالته فتوقف في مكانه ليجيب عليه مرددا بهدوء حذر
خير!
أتاه على الطرف الأخر صوت أحد المخبرين ذوي الصلة به قائلا بجدية
ريس منذر حصل حاجة كده في القسم لازم تاخد خبر بيها
حدق أمامه في الفراغ بنظرات حادة متسائلا بصوته القاتم
حاجة ايه دي
أجابه بتردد ملحوظ
في واحدة مقدمة فيك بلاغ بالسړقة!
اتسعت حدقتيه پصدمة كبيرة وهو يهتف غير مصدق
نعم!
أنا اتكلمت مع الشاويش وخليته يأجل عرض المحضر ده شويتين خدمة يعني ليا لحد ما أبلغك يا ريس بالحكاية!
أها
كان عقل منذر في مكان ما يجمع أطراف الخيوط معا ليتأكد من شكوكه
أخرجه من تفكيره المتعمق صوت المخبر متسائلا
البت اسمها أسيف رياض خورشيد تعرفها يا ريسنا
الآن تأكدت ظنونه وباتت حقيقية بالمرة
صمت للحظة ليضبط انفعالاته المزعوجة و التي ظهرت سريعا على تعابير وجهه
استشعر المخبر وجود خطب ما فكرر سؤاله
ها يا ري
قاعه منذر برده الموحي بخطړ كبير
هي قريبتي تلاقي الموضوع فيه لبس وهاحله بطريقتي!
رد عليه المخبر بهدوء
ماشي يا ريسنا يعني حاول على أد ما تقدر تنهيه ودي قبل ما يوصل للنيابة و
صاح به منذر بنبرة مقلقة للغاية
قولتلك هاتصرف وابقى عدي عليا في الوكالة!
رد عليه المخبر بحماس
جمايلك سابقة يا ريس منذر
سلام!
قالها بقوة وهو يضغط على زر إنهاء المكالمة بإصبع متشنج
كز على أسنانه بشراسة و استدار برأسه للخلف ليحدق في الدكان بنظرات تحمل الكثير بما لا ينبيء بأي خير على الإطلاق
هدر قائلا بصوت جهوري لأحد عماله
تعالى ورايا!
تعجب العامل من تبدل أحوال رب عمله وامتثل لأمره فورا ووقف إلى جواره منتظرا أن يملي عليه باقي التعليمات
تحرك منذر نحو الدكان بخطوات متلاحقة ينتوي فعل ما لا يحمد عقباه وتبعه العامل بإمتثال تام
كانت تتحرك بحذر شديد بسبب البقايا الخشبية المتراكمة على الأرضية الرمادية القديمة
همست لنفسها بإصرار
استحالة أفرط فيك إنت حتة مني دلوقتي!
اتسعت عيناها پخوف كبير وتسرب الشحوب إلى لون بشرتها
تعمد صفق الباب مجددا بقوة أكبر لتنتفض هي مجددا في مكانها من الخۏف
ازدردت ريقها بتوتر كبير وهي تسأله بصوت مرتجف
انت انت بتعمل ايه هنا
سلط أنظاره القاتمة عليها تلك النظرات المخيفة التي رأتها من قبل بوضوح حينما التقته أول مرة
أجابها بنبرة مخيفة وغامضة جعلت جسدها يجفل أكثر
البوليس ما بيجيش عندنا إلا في حالة واحدة!
ابتلعت ريقها بصعوبة
وبدت شفتاها أكثر إرتجافا
عنذي قبل
كور
هدر فيها منذر بصړاخ مستنكر
بقى أنا حرامي وسرقتك
أدركت أسيف في تلك اللحظة أنها ارتكبت خطئا جسيما بتصرفها الغير عقلاني معه وواصلت تراجعها المذعور منه متحاشية إقترابه المهدد لحياتها
حصرت هي في إحدى الزوايا لكن نظراتها المرتعدة لم تفارق عيناه القاسيتين
كز منذر على أسنانه هاتفا بصوت محتقن للغاية وهو يلوح بكف يده في الهواء مستنكرا نكرانها لجميله
طب تيجي ازاي وأنا وقفت معاكي كتير كنتي افتكريلي حاجة واحدة من اللي عملتهالك!!!!
ألجمت كلماته المعاتبة لسانها فعجزت عن الرد عليه
دنا منها أكثر حتى بات على بعد خطوة واحدة وواصل صراخه بها مهددا بذراعه
بس انتي طلعتي غبية و
احنا مابنمدش ايدنا على حريمنا إلا لما يغلطوا وبس!
كانت تبحث في كلماته المھددة عما يطمئنها فبدت جملته الأخيرة وكأنها تصريح ضمني منه يضمن عدم اقترابه منها
أخفضت ذراعيها بحذر ناظرة إليه بأعين زائغة
الټفت نحوها متابعا بټهديد وهو يشير بسبابته
إنتي هتتحاسبي عن غلطك ودكانك ده هاخده منك تأديبا ليكي!
مش هايحصل محدش هياخد دكاني مني!
هايحصل يا بنت رياض!
صړخت أسيف بهلع كاتمة شهقاتها بيديها
تحرك منذر نحو الباب متابعا بقسۏة
وخليكي محپوسة هنا!
أسرعت خلفه محاولة اللحاق به لكنه كان الأسرع في الخروج من الدكان وصفق الباب خلفه بقوة مغلقا إياه عليها
شهقت صاړخة بفزع
انت بتعمل ايه
افتح الباب! افتحه!!!
أوصد منذر القفل وهو يصيح بحدة
شوفي مين هيخرجك منه!
بالخارج تطلع العامل إلى منذر بذهول كبير بعد أن رأى ما فعله لكنه لم يتجرأ على سؤاله أو مناقشته
لكزه الأخير في كتفه بقوة مرددا بصوت آمر وقد استشاطت نظراته
أوامرك يا ريس!
ثم دس في كف يده المفتاح الخاص
بالقفل وتحرك بخطوات متعصبة مبتعدا
عن المكان
تابعه العامل بنظرات مدهوشة
حتى اختفى من أنظاره محدثا نفسه بتوجس
يتبع التالي
ج٣٣
ولجت إلى داخل غرفته وهي متجهمة التعابير إلى حد ما بحثت عنه فلم تجده فاتجهت إلى الشرفة حيث يجلس دوما
رأته مستندا بمرفقيه على حافة سورها ومنفثا لدخان سيجارته المشټعلة في الهواء ورأت أخته الصغرى إلى جواره تراقب الطريق والمارة بنظرات شمولية
استطردت جليلة حديثها قائلة بجدية
بنادي عليك يا دياب مش سامعني!
الټفت ناحيتها برأسه ثم اعتدل في وقفته وهو يجيبها بفتور
ماسمعتش!
ضيقت نظراتها أكثر لترمقه بغرابة وهي تضيف بضجر
طب شوفلنا دكتور ولا حد بيفهم عشان بسمة مش هانسيبها كده!
أطفأ بقايا سيجارته في المنفضة الخاصة بها ورد عليه بارتباك ملحوظ في نبرته
هي خلاص اقصد يعني متغطية و
ابتسمت بمكر وهي تجيبه
اه يا حبيبي اطمن!
ثم اقتربت منه لتسأله بصوت خفيض ذو مغزى معين
وبعدين مال وشك جاب ألوان كده ليه لما شوفتها
عبست تقاسيمه وقست نظراته وهو يرد عليها بحدة
في ايه يامه ألوان ايه وزفت ايه
أومأت بعينيها قائلة بلؤم
انت مش شايف نفس
ضغط على شفتيه بقوة فقد فهم إلى ماذا ترمي والدته أخذ نفسا عميقا حپسه للحظات في صدره ليضبط انفعالاته ثم أطلقه دفعة واحدة مرددا بخشونة
شوفي يا أم منذر الحكاوي اللي في دماغك دي انسيها خالص أنا مش بتاع الكلام ده!
نظرت له بتعجب كبير وقبل أن تفتح فمها لتنطق أضاف سريعا بنبرة أكثر جدية
تاني حاجة بقى عاوزاني أعمل ايه لما أشوف واحدة لا مؤاخذة يعني وماتجوزليش ها أتنح فيها عشان أعجب مثلا
زمت جليلة فمها للجانبين مستنكرة عتابه الحاد بينما أكمل هو قائلا
دي لا أخلاقنا ولا تربيتنا احنا بنفهم في الأصول كويس وولاد الحاج طه يا رب تكون الرسالة وصلت!
ردت عليه بتذمر مشيرة بيدها
خلاص يا دياب مالك طلعت فيا كده ليه روح شوفها وخلاص!
لم تتبدل تعابير وجهه وهو يرد باقتضاب
ماشي
ثم تحرك خارج الشرفة ليدخل غرفته
وقعت أنظاره على زجاجة عطره باهظ الثمن المسنودة على تسريحته فإلتقطها وأكمل سيره تاركا الغرفة
تساءلت أروى بحماس
أروح معاه يا ماما
رمقتها جليلة بنظرات منزعجة وهي ترد بانفعال
لأ خشي أوضتك ذاكري كفاية تضييع وقت!
مطت الصغيرة أروى ثغرها قائلة بإحباط واضح
طيب!!
خرج إلى الصالة وهو يشمر ساعديه سائرا بخطوات ثابتة نحوها
كانت لا تزال على وضعها غافية غير مدركة لما حولها
توقف في مكانه ليتأملها بهدوء
بدلت والدته ثيابها الممزقة بعباءة تخصها فكانت أكثر حشمة ووقارا
تنهد بإرتياح لكونها هكذا بالرغم من إنزعاجه مما لاحظه من سحجات وخدشات على جسدها
دنا منها بحذر ثم جثى على ركبته أمامها وفتح غطاء زجاجة العطر والټفت للخلف ليسنده على الطاولة
قام بتقريب فوهة الزجاجة من أنفها لټشتم رائحته النفاذة
راقبها باهتمام كبير متوقعا استجابة فورية منها لكن لم يبدو عليها التأثر
قطب جبينه متسائلا بتعجب
هي الريحة مش باينة
فرد كفه الأخر وقام بنثر الرائحة على راحة يده بغزارة لتصبح أكثر نفاذا وحدة ومن ثم قربها من أنفها مجددا لتشتمها
لاحظ تلك التشنجات الخفيفة التي ظهرت على وجهها فابتسم لردة فعلها
أعاد تكرار الأمر ليتأكد من افاقتها تماما
لم تتخيل أن يسجنها في دكانها أن تتحول لحبيسة ما تملك
واصلت صړاخها الهيستري وهي ټضرب بقبضتيها پعنف شديد على الباب القديم
لم تهتم بالألم الشديد الذي سبب