رواية خطايا بريئة بقلم ميرا كريم (كاملة )
ولكن دون جدوى
ليضيق بنيتاه القاتمة بعد أن
فطن للأمر الذي لم يتوقع أن يصدر منها حتى في أبعد أحلامه وتوحشت نظراته وهسس بنبرة متوعدة شديدة الڠضب
عملتيها يا رهف...
السادس عشر
التراكمات سم بطيء ېقتل أي علاقة بصمت. لا تختبروا قوة تحمل الآخر لا تعولوا على حبه الكبير وقلبه الأكبر. لا تتجاهلوا نفاذ صبره لا تتوقعوا أن تكون هناك صفحات جديدة دائما فلا تدرون متى تأتي الصفحة الأخيرة. قد يبدو كل شيء على ما يرام بالأمس فتصحون على ثورة عارمة صباحا.
قالتها هي ما أن دلفو بعدما ظل طوال الطريق صامت و وجهه متجهم بشكل مريب جعل الكثير من الشكوك تنتابها فقد حاول هو السيطرة على ذاته بصعوبة بالغة ونفى برأسه وأجابها بإقتضاب
مفيش...
لتتسأل من جديد بريبة أكبر
طب ايه حكاية الرصيد دي طلع فعلا المشكلة من عندهم
أومأ لها بنعم وأخبرها كاذبا كي لاتزيدها عليه وتشعره بمدى غبائه
هزت رأسها وعقبت بعد أن زفرت بارتياح
طب خلاص ايه اللي مضايقك وغير مودك كويس أنه طلع الغلط عندهم وإلا كان هيبقى
الموقف بايخ اوي يا سونة
اڠتصب بسمة على فمه واومأ لها بمسايرة وهو يحمد ربه أنه كان يحمل بضع نقود ورقية بحوزته للاحتياط وبالكاد غطت فاتورة العشاء ليتناول نفس عميق ويزفره على مهل ثم يمرر يده بين خصلاته بأعصاب تالفة قائلا وكأنه يتوسلها
جعدت جبينها و تأففت من جديد
يووووه انت مش بتزهق قولتلك لأ... وبعدين ولادك مش لوحدهم لترفع حاجبيها وتضيف وهي تتخصر أمامه متهكمة
اوعى تكون رهف هانم وحشتك ومش قادر تقعد من غير ما تطمن عليها
كان يشعر ببراكين ثائرة برأسه من شدة الڠضب ورغم ذلك تمالك نفسه وقال بنبرة آمرة بعض الشيء
لوحت بيدها أمام وجهه وهدرت دون أن تعير غضبه أي اهمية
هو أيه اللي حصل وأنت ليه مكبر الموضوع كده ده مجرد سوء تفاهم ولا في حاجة مخبيها عليا...
زفر حانقا من جديد وهدر منفعل
مفيش زفت مخبيه عليك وبلاش تزني أنا بكره الزن وهاتي التليفون
لأ...ده شهر عسلي ومش
هخلي المملة مراتك تاخدك مني وتتسهولك لما تكلمها
احتدت بنيتاه القاتمة وهدر من بين اسنانه بنفاذ صبر وبآخر حيلة لديه
مش هكلمها هي ....هكلم يامن وهخليه يطمني على الولاد هاتي التليفون يا منار ومتعصبنيش اكتر من كده
خلاص متتعصبش يا سونة انا برضو عندي قلب وعارفة أنك اب و ولادك لازم يوحشوك
لتسير بضع خطوات ثم تفتح خزانة الملابس وتدس يدها بين طياتها تخرج هاتفه وتناوله إياه قائلة بوداعة لا تليق ابدا بها
كلم يامن ومتنساش تسلملي عليه وتقوله انا نفسي اتعرف عليه وعلى خالتك
تناوله من يدها بتلهف شديد وقام بفتحه
هاخد Shower وهستناك متتأخرش عليا يا سونة
لتبتسم هي وتخطو نحو المرحاض بينما هو ما أن تأكد من إغلاقها الباب دلف للشرفة وأغلق بابها عليه ثم قام بالنقر على شاشة هاتفه يطلب رقم رهف وهو ينوي أن يصب جم غضبه عليها ولكن لصډمته كان هاتفها مغلق وحتى هاتف المنزل الأرضي لم تجيب عليه مما جعله يستشيط غيظا ويتيقن أنها تتعمد أن تتجاهله ونا إن تذكر أنه لم يعد معه مال كافي لسداد حساب الفندق قام بمهاتفة يامن وقبل أن يطلب منه العون سأله عنها وتحجج كونه اضطر للسفر وتركهم ولكن يامن أخبره أنه لا يعلم شيء ولم تقم هي بزيارتهم منذ وقت طويل ليستشيط هو أكثر ويكاد القلق يفتك به ولكن دائما ما يتدخل شيطانه مبررا كونها تكيده ليس أكثر وتتعمد إفساد سعادته ورغم تلك الأعاصير التي ټضرب برأسه إلا انه لم يخبر يامن بأي تفاصيل خاصة عن فعلته فقط طلب منه أن يرسل له المال بأي طريقة... و وعده انه سيشرح له فيما بعد وحين أغلق معه زفر حانقا وأخذ يمرر يده بخصلاته بفوضوية هادرا بغيظ
أنا ازاي غبي كده ونسيت موضوع الحساب ده
ليكور قبضته بقوة ويضعها بين أسنانه كي يتحكم بزمام نفسه كي لا يفتضح غبائه أمام الآخرى وتشعر به ثم أغمض عينه وأخذ يهدأ نفسه ولكن من داخله يتوعد لها بأشد الوعيد حين عودته الذي قرر أن تكون فور إرسال يامن للمال في صباح الغد.
تنهيدات ونظرات هائمة كانوا يتبادلونها وهم يستندون على مقدمة سيارتها في المكان ذاته أعلى تلك الهضبة العالية التي تكشف
البلد من عليائها فرغم عزلة المكان إلا أنها تشعر براحة عارمة به فقد أصرت عليه أن يأتي بها إلى هنا ورغم غيوم السماء و برودة الجو وتلك اللفحات الباردة إلا أن كان دفء قلوبهم يكفي العالم أجمع فكانوا غير عابئين بشيء وكأنهم بعالم أخر يهيمون به بمشاعر تشابه غيوم السماء التي انذرت لتوها بهطول الأمطار مصطحبة معها عاصفة هوجاء من المشاعر المتأججة بينهم فشهقت هي حين شعرت ببضع قطرات الماء على وجهها وقالت بعفوية تشبه عفوية الأطفال
الله مطر
مسح على وجهه وقال وهو ينظر لما حل بالجو وكأنه فاق لتوه من غفوة قلبه
عجبك كده مش كنت روحتك احسن من الپهدلة دي
نفت برأسها واخبرته ببسمة واسعة وهي ترفع رأسها للسماء وتفرد ذراعيها ترحب بالمزيد
انا جيت هنا مخصوص علشان كده ...انا بحب المطر أوي يا محمد بحب ريحته وبحس براحة غريبة بعديه
أبتسم لتبريرها المرهف وقال
بس الجو برد عليك
نفت برأسها وظلت تدور وتدور حول نفسها ببسمة واسعة واستمتاع غريب دغدغ حواسه وجعله يتأملها بنظرات والهة يردد بداخله
كم أود أن أشاركك صخبك وسعادتك الآن كم أود إطلاق العنان
لنفسي وأغدق دون حسبان ياليتني أستطيع أن
امنحك لحظات لا تليق سوى بك و أبوح لك بمعسول الكلام ولكن يوجد حديث يعجز عنه اللسان فأنا عاشق يعلم أن كافة أحلامه يستحيل تحقيقها ويجب أن تظل طي النسيان.
لا يعلم كم مر من الوقت وهو يتأملها ولكن ما يعلمه أن قلبه يهفو لها حد العناء
فقد تنهد بعمق ولعڼ تلك الحالة الغريبة التي أصبح عليها و تلك المشاعر التي لم يعد يستطيع التحكم بها وتعدت حدود عقله ومنطقه وكل ما نشأ عليه حين نزع سترته الحانية المفعمة بالاهتمام
عارف أن أنا أسعد واحدة في الدنيا اللحظة دي
غرق في بحر عينيها دون وعي وتمنى أن لن ينجو أبدا وهي تميل برأسها لتواجه وجهه أكثر حتى انفاسه واستأنفت بنبرة حالمة مفعمة بالسعادة غير عابئة بزخات المطر التي كانت تزف حديثها
علشان جمعت بين أكتر تلات حاجات بحبهم المكان ده والمطر وأنت يا محمد
زلزلت قاع قلبه بل عصفت به وجعلت ارادته وعزيمته للصمود ذهبت ادراج الرياح من وطأة تصريحها الخطېر له ورغم ان لسانه عجز عن الرد إلا أن بندقيتاه كانت تعصاه و تهيم بها وكأنها تود أن تمتعه بتلك اللحظة الفريدة المميزة فكانت عيناها تدعوه دعوة صريحة للبوح ولكن الأمر كان عليه ليس بيسير ابدا فمكنون
قلبه بمثابة وعد صادق وهو لم يتعود أن يصدر وعود يستحيل أن يفي بها يأست من رده وكم شعرت بالإحباط حين تحمحم و أزاح برأسه قائلا بجدية شديدة وبصوت مرتبك
لازم نمشي الوقت اتأخر و المطر بيزيد
حانت منها بسمة باهتة بعدما اندثرت لمعة عيناها وهزت رأسها بطاعة ليسبقها لداخل السيارة ليحتل الحزن من جديد عيناها وهي تظن انه لم يبادلها مشاعرها غافلة كونه أصبح غارق بها ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك فنعم هي تعدت حواجز قلبه وحدود منطقه ولكن يستحيل أن يتخطى هو تلك الفجوة الطبقية بينهم.
رغم ذلك الفراغ الموحش الذي يخيم على قلبها ويكاد يبتلع روحها إلا انها كانت تقاوم كي تصمد وتستعيد عزيمتها وتقف في مواجهة مع ذاتها لتردع ذلك التشتت المريب الذي أحتل كافة تفكيرها وجعلها تستغرب ما يحل بها وحين أشتد الصراع بين ألم قلبها وهواجس عقلها انتصر من له سلطة كبرى عليها فقد اسعفها بتلك الذكريات الأليمة التي يحتفظ بها بين طياته منذ زمن بعيد ودعم ظهورها ذلك اليوم الممطر الحافل بتلك الأصوات المرعبة التي طالما ذكرتها بتلك الليلة المشؤومة حين توفت والدتها فكانت ترفع رأسها تنظر لعطاء السماء وهي تجلس على أرضية شرفتها الباردة دون أن تعير أن أطرافها تكاد تتجمد من برودة الجو بل كل ما كانت تعيره أهمية هو أن تعاند تأثير تلك الذكرى التي كلما راودتها سلبتها انفاسها وجعلت الرجفة تسيطر عليها وينتابها حالة من الهلع مثل تماما ما حدث معها في ذلك اليوم فكان كل شيء يمر أمام عيناها وكأنه حدث منذ قليل وليس من سنوات طويلة فإلي الأن تتذكر أدق التفاصيل بتلك الليلة الباردة التي لم تنعم بعدها بدفء ابدا
flash back
كانت ليلة ممطرة يلفحها الصقيع وصوت الرعد يتسلل إلى مسامعها أثناء نومها فزت هرعة من فراشها تفرك عيناها وتسير نحو غرفة والدتها بخطوات وئيدة وهي تأمل أن تدثرها وتنعمها بدفئها الذي لا يضاهيه شيء ولكن عندما وصلت إلى باب الغرفة الموارب قليلا استمعت لذلك الحوار المحتد بين أبويها
أنا تعبت منك ومش عارف أعمل ايه علشان اقنعك
قالها عادل بحدة وبنفاذ صبر جعل غالية ترد عليه بنبرة منفعلة شديدة الإصرار
عمري ما هقتنع يا عادل دي حياتي وانا حرة فيها
لأ مش حرة يا غالية ولو مرضتيش هجبرك وهيبقى ڠصب عنك ومش معنى اني وافقت
على رغبتك وسمعت كلامك يبقى كده عملتي اللي عليك تجاهي وتجاه بنتك
نفت غالية برأسها بعدم اقتناع وصړخت بهستيرية
اللي حصل ده كان علشانك أنت وعلشان اديك فرصة تعوض كل اللي معرفتش ادهولك أنا عارفة أني قصرت معاك وأنت صبرت معايا كتير بس ياريت كان بإيدي علشان خاطري يا عادل بلاش تضغط على اعصابي انا مش عايزة اتعذب أكتر من كده صدقني مش هقدر اتحمل اللي أنت بتطلبه مني ...
يووووووه انت تفكيرك غلط... وانا يأست من عنادك ولعلمك بقى لو فضلتي على إصرارك هخالف رغبتك وهقول لبنتك وساعتها بقى هخليها تعرف اد ايه امها ضعيفة وانانية ومبتفكرش غير في نفسها
قالها بنفاذ صبر وهو يغادر الغرفة ويترك المنزل بأكمله دون أن يلحظ كون نادين تنكمش