رواية هوس من أول نظرة
إنتوا مش عارفين انا مين
نظر الرجلان لبعضهما راسمين على
وجههما إبتسامة مستهزءة قبل أن
يتطوع أحدهما و يجيبها...حتى لو كنتي
بنت رئيس الوزراء...
تنفست الهواء بقوة قبل أن تجيبه بحدة
رغم إرتعابها من نظراته الخبيثة التي يرمقها
بها...انا بنت المستشار ماجد عزمي...
صمتت قليلا قبل أن تكمل بلهجة اقل حدة
...لو عاوزين فلوس انا حديكوا كل اللي إنتوا
ضحك الرجل الثاني لتزداد ملامحه شراسة
بصوته الغليظ الذي ملأ قلب المسكينة
ړعبا حتى يكاد يتوقف...بس إحنا مش
عاوزين فلوس...إحنا عاوزينك إنت يا قمر .
إلتفت لصديقه ليغمزه ثم إنفجرا بالضحك مرة
أخرى....
ړعب خوف هلع كلمات لا تصف ماتشعر به
يارا بعد سماعها لكلام الرجلين المخيفين...
اوصالها و تشعر بجفاف في حلقها و قلبها
يدق بشدة حتى يكاد يخرج من قفصها الصدري
تراجعت للخلف عدة خطوات و هي مازالت
تتفرس هيأتهما المخيفة و الاوشام التي كانت
تغطي يديهما و رقبتهما...
ناهيك عن تلك الندبة التي كانت تقسم وجه
أحدهما لتزيد من منظره الإجرامي خطۏرة
و هلعا في نفسها...
بلاش كده انا حديكوا فلوس كثيرة اطلبوا
المبلغ اللي إنتوا عاوزينه...إدوني موبايلي
حكلم بابا و هو يبعثلكم فلوس بس و النبي
سيبوني انا معرفكمش...
تكلم أحد الرجلين ببرود ليزيد من ضغطها النفسي
و هي التي تجاهد حتى لا يغمى عليها من شدة
الخۏف...بس إحنا نعرفك...و إنت هدية لينا
الليلة...
لوحت بيدها أمامها صاړخة بتوسل...ارجوكوا
لا...إنتوا مش ممكن تعملوا فيا كده...انا مش
أذيتكوا في حاجة إنتوا معندكوش إخوات...
قاطعها أحدهما بحدة ارعبتها...جرى إيه
يابت إنت...إنت حتعملي نفسك شريفة علينا
داه إحنا خاطفينك من قدام كباريه بفستانك
اللي شبه ال....إخرسي بقى و إتلمي و خلي
فيهم و نرجعك مكان ماجيتي...و لو عاوزة الطريقة الصعبة بردوا إحنا جاهزين بس إنت اللي حتتضرري
في الاخر و حتبقى نهايتك يا المستشفى يا الخړابة
و على فكرة وفري صوتك الحلو داه و إتكتمي عشان
إحنا في مكان بعيد و لو فضلتي ټصرخي لبكرة
الصبح مفيش حد حيسمعك....مفهوم يا....
صړخ في آخر كلامه و عيناه تقدح شرارا..ضخمين
عنهم...يخطفون و بدم بارد...
جرائهم لا تحصى و لاتعد...و هي ضحيتهم
الجديدة....تكاد تختنق بشهقاتها و هي تتوسلهم
ان يتركوها دون جدوى...
الاصرار و التجاهل هذا ما لمحته في أعينهم
لن يتركوها مهما قالت أو فعلت...لن تستطيع
النجاة منهم او التغلب عليهم في هذا المكان
المقطوع...
لطالما سمعت عن جرائم الاڠتصاب و الخطڤ
لكن لم تكن تظن انها ستكون ضحېة في احد
الايام...
خانتها ساقاها و لم تعد قادرتان على حملها
لتتنزلق على الأرض بعد أن سمعت أحدهما
يقول...خمس دقائق و راجعين ياقطة..جهزي
نفسك....
غمزها و هو يدعك أنفه باصبعه بحركة
قڈرة تدل على إستهلاكه ممنوعات...لتوقن
يارا أن نهايتها إقتربت و لا نجاة لها بعد هذه
الليلة إلا بمعجزة...
لطمت فخذيها بكفيها قبل أن تنتحب بيأس
و هي تدعو الله بداخلها أن ينفذها من براثن
هذين الوحشين الجائعين....
في برلين....ألمانيا....
في إحدى المستشفيات...
تجلس سيلين أمام أحد الغرف تنتظر خروج
الطبيب منذ ساعات طويلة بعد أن تدهورت
صحة والدتها و اغمي عليها فجأة لتظطر
لنقلها إلى المستشفى...
رفعت رأسها عندما سمعت صوت الباب تلاه
خروج الطبيب الذي كان يفحص هدى بالداخل
هرولت نحوه قائلة بلهفة...دكتور طمئني
ارجوك...هل هي بخير
الطبيب بلهجة بعملية...الان هي بخير...لكن
أنت تعلمين وضع قلبها إنه ضعيف...تحتاج
عملية جراحية في أقرب وقت...الأدوية لا تكفي
لقد تعدت مرحلة العلاج بالأدوية....العملية
هي الحل..لن تصمد طويلا....
سيلين بحزن يغمر قلبها...لكن دكتور..كلفة
العملية باهضة جدا...الا يوجد حل آخر...
الطبيب بأسف...لقد أخبرتك يا آنسة..تحتاج
تدخلا جراحيا في أقرب وقت و إلا فقدناها..
سوف أتكلم مع إدارة المشفى..تستطيعين تقسيط
المبلغ....تدفعين نصفه الان و النصف الاخر
بعد إجراء العملية.....
اومأت له سيلين بإيجاب دون أن تجيبه لينسحب الطبيب مكملا عمله بينما بقيت هي تفكر...يا
إلهي إنها ستون الف يورو من أين سأجلب
مبلغا كهذا...انا بالكاد أسدد فواتير الكهرباء
و الماء و الطعام....لم أستطع شراء حذاء
جديد منذ سنتين...مالذي علي فعله...صاحب
العمل لن يوافق على إعطائي سلفة بهذا. المبلغ
الضخم...لا يوجد حل سوى بيع المنزل...لكن
هذا سيحتاج وقتا طويلا حتى أجد سعرا مناسبا
و منزلا جديدا...يا إلهي انقذ أمي لايوجد لي
أحد سواها....
أدمعت عيناها بعجز و هي تحدق بباب الغرفة
المغلق حيث تنام والدتها وراءه بقلب انهكه المړض
ماذا سيحدث لها لو خسرتها...هي لا تعرف أحدا
في هذا العالم سواها...لا أقارب و لا أصدقاء...
يبدو أن والدتها محقة عندما طلبت منها العودة
إلى الوطن...
عادت من شرودها على صوت الممرضة التي
سمحت لها بالدخول و رؤية والدتها لدقائق
قليلة فقط....
دلفت إلى الداخل بقلب ممزق و عينان محمرتان
من شدة البكاء...أمها روحها الثانية تنام بقلة
حيلة على سرير أبيض يدها موصولة بأنابيب
و معدات طبية لم تفقه منها شيئا...
فلتت منها شهقة رغما عنها لتضع يدها على
فمها تبتلع بقية شهقاتها بداخلها حتى شعرت
بكف والدتها الحنون تمسك يدها...لتنتفض
بهلع قائلة بغصة...مامي إنت كويس اندهلك
الدكتور....
سعلت هدى قليلا قبل أن تجيبها بصوت متعب
و ضعيف...لا يا حبيبتي انا كويسة...مټخافيش
عمر الشقي...
سيلين پبكاء و هي تمسك بيدها كف والدتها
البارد...مام الدكتور قال لازم عملية ب 60 الف
يورو...اكملت حديثها باللغة الألمانية مبلغ كبير من أين سنحصل عليه..
سأبيع المنزل...لكن يلزمني القليل من الوقت
و الطبيب يقول يجب أن تخضعي للعملية
في اقرب وقت...
هدى بابتسامة ضعيفة...متقلقيش يا حبيبتي
انا حبقى كويسة...متبكيش يا ضنايا كل مشكلة
و ليها حل بإذن الله...
سيلين بدموع...أعلم و لكني سأموت إن حصل
لكي شيئ...امي ارجوكي انا لا يوجد لي سواكي
انت كل عائلتي...يجب أن تصمدي من أجلي...
غدا صباحا سأذهب إلى كل مكاتب بيع العقارات
و سوف ابيع المنزل بأي ثمن..الطبيب قال لي
اننا نستطيع تقسيم المبلغ ندفع حزءالان و الباقي بعد العملية...
أغمضت هدى عينيها بتعب فقد حان الوقت
المناسب لتنفيذ ماعزمت عليه منذ رحيل زوجها
يجب أن تعيد إبنتها إلى عائلتها...لن تبقيها وحيدة
ستفعل اي شيئ لإنقاذ وحيدها من الضياع في هذا
البلد الغريب الذي إلتهم سنوات عمرهما دون
رحمة....
أخذت نفسا عميقا قبل أن تتحدث بهدوء...مفيش
داعي تبيعي البيت...انا حقلك إزاي تجيبي
فلوس العملية...إسمعيني كويس يا بنتي
و متقاطعينيش عشان انا بتكلم بالعافية....
اومأت لها صغيرتها و هي تمسح دموعها
التي إنهمرت على وجنتيها المحمرتين قبل
أن تركز جميع حواسها مع حديث والدتها....
.........داه أحن واحد فيهم انا ربيته زمان
لما كان صغير...انا سبته و هو عمره إثناعشر
سنة اكيد لسه فاكرني...عشان خاطري. ياحبيبتي
وافقي و روحيله...انا بقالي سنتين بتابع أخباره
هو كبر و درس محاماة بس هو حاليا ماسك
شركات بابا...بقى رجل أعمال ناجح....من هو صغير
و هو ذكي جدا انا كنت عارفة إنه لما حيكبر
حيبقى حاجة عظيمة و فعلا مخيبش ظني...
تنهدت سيلين باستسلام فهي و إن كانت في الماضي ترفض الذهاب لمصر و الالتقاء بعائلة والدتها
إلا أنها مضطرة الان من أجل والدتها..
تحدثت بصوت منخفض دلالة على موافقتها
رغما عنها و هذا ماكانت تعلمه والدتها لكنها
تجاهلت رأيها ليس من أجل الحصول على
ثمن العملية بل من أجل وحيدتها الصغيرة...
لاتستطيع تركها وحيدة دون مأوى و سند يحميها
من هذه الحياة القاسېة...
...تمام...و انا وين حعرفه انا نسيت إسمه
هدى...إسمه سيف عز الدين...ادخلي اوضتي حتلاقي في الدرج الثاني بتاع تسريحتي...في
شوية فلوس كنت مخبياهم من مصروف البيت
و معاهم صندوق صغير بني فيه صور كثير...صور عيلتي اللي دايما بفرجك عليهم...
اومأت سيلين بتفهم لتكمل...تحت الصور حتلاقي
ظرف أبيض صغير إفتحيه حتلاقي ورقة
فيها عنوان الشركة الرئيسية للمجموعة هو
دايما بيكون هناك...و مع الورقة حتلاقي
سلسلة فضة فيها قلب صغير...القلب داه بيتفتح
جواه صورتين واحدة صورتي زمان قبل ما أتجوز
و الثانية صورة سيف...السلسلة دي كان
هدية منه عشان كان بيحبني اوي و قريب
مني جدا...كان بيعتبرني أمه الثانية....
سيلين بقلق...حاضر انا الليلة ححجز في أول
طيارة نازلة مصر و حروحله الشركة و حاخذ
السلسلة معايا....بس انا خاېف هو مش
يفتكر إنت...
هدى...سيف اللي انا أعرفه عمره ما حيعمل
كده...إحنا نحاول يا بنتي و الباقي على ربنا
لو مصدقكيش إبقى كلميني و انا حفهمه....
سيلين پخوف و قلق...حاضر مام...
قاطع حديثها دخول الممرضة لتطلب
من سيلين مغادرة الغرفة لترتاح والدتها....
قبلت جبينها قبل أن تهمس لها في الاخير
...لا تقلقي امي سوف احاول و لن ايأس
ابدا...لن أسمح بخسارتك ابدا..لا تقلقي
انا إبنتك و أنت تعرفينني...لا أستسلم
بسهولة...سأهاتفك عندما اصل هناك....
إبتسمت لتهدأ من قلق والدتها عليها عليها
فابنتها لازالت صغيرة وهي لم تذهب من قبل
لمصر لتبادلها الأخرى إبتسامة خفيفة قبل أن
ترتخي ملامحها و تغط في نوم عميق.....
عادت سيلين إلى المنزل الموحش بدون
وجود أمها...انارت الصالة ثم نظرت أمامها
نحو الكنبة التي كانت تجلس عليها هدى
كل ليلة تنتظرها حتى تعود من عملها..رمت
حقيبتها أرضا لتهرول نحو الاريكة لترتمي
عليها و تجهش پبكاء مرير...الان فقط
أحست باليتم رغم أن والدها غادر و تركهما
وحيدتين...إلا أن والدتها عملت كل ما في وسعها
حتى تكون لها الاب و الام في نفس الوقت
لطالما سهرت الليالي تعمل على آلة الخياطة
إلى جانب عملها اليومي بالمصنع حتى تستطيع
سيلين إكمال دراستها و شراء الملابس و الأكلات
التي تحبها حتى لا تشعرها بأي نقص او إختلاف
عن صديقاتها اللواتي يمتلكن آباء....لطالما شعرت
بلمساتها الحنونة إلى جانبها كلما شعرت بالخۏف
فهي كانت الملجأ الوحيد لها تحتمي به من الدنيا
القاسېة...في حزنها في فرحها في مرضها لم
يكن غيرها إلى جانبها يواسي وحدتها حتى
صارت كل حياتها...
لكنها الان غير موجودة...بدا لها المنزل كقبر
مظلم بدونها...هي تبكي الان و خائڤة لاتستطيع
المكوث لوحدها لليلة واحدة فكيف لو فقدتها...
ظلت تبكي لساعات حتى جفت دموعها قبل
تنام على الاريكة تحتضن نفسها و هي تتخيل
انها بأحضان أمها الحنون....في ذلك المكان المهجور....
فتح الباب من جديد لتنكمش يارا بړعب
و كل خلية في جسدها ترتعش حد المۏت....
صوت أقدام توحي بدخول أحدهم...لترفع رأسها
حيث إصطدمت عيناها بزوج من الاحذية الفاخرة
أمامها...
رفعت رأسها ببطئ متجاهلة السيول المنهمرة
منهما لتجد أمامها رجلا طويلا و ضخما لا يقل ضخامة عن الرجلين اللذين كانا هنا منذ قليل
عريض المنكبين ببشرة قمحية و عينان سوداوان
غامضتان تتفرسانها بنضرات ثاقبة مخيفة
جعلت جسدها يرتعش ړعبا من القادم...
عقدت حاجبيها باستغراب فوجهه يبدو مألوفا
لها لكنها لم تتذكر أين رأته..ربما من شدة
خۏفها ذاكرتها مسحت تلقائيا...
كان يرتدي بدلة فاخرة كحلية اللون بدون ربطة
عنق...عطره الحاد كملامحه إنتشر بكامل
الغرفة مما زاد في إضطرابها...
وضع يديه في جيوب بنطاله ناظرا إليها باستعلاء
تحت قدميه...شعور الانتشاء و الراحة تسللا داخل
جسده عند رؤيتها ذليلة و خائڤة و ضائعة...تماما
كحاله عندما تركته منذ سنوات...
زفر بانفاسه بجمود قبل أن يجلي حنجرته
متحدثا بصوت بارد...لسه زي ما إنت...متغيرتيش.
جاهدت لتقف على قدميها أمامه لتصطدم
بعيون صقرية تراقبها بتمعن شديد لتجفل
قليلا قبل أن تجيبه بارتعاش واضح في
صوتها...إنت...مين
قهقه عاليا حتى تردد صوت صدى ضحكاته
في ارجاء الغرفة الضيقة قبل أن يتوقف فجأة
و قد تحولت ملامحه الهادئة إلى أخرى تحمل
الچحيم في ثناياها ليقول بصوت عميق
واثق...أنا صالح عزالدين...و رجعت عشان
آخذ حقي منك...انا وعدتك زمان و انا لما بوعد
بوفي....
إندفعت نحوه يارا و هي تمسح دموعها بظاهر كفها
قائلة بلهفة...صالح...الحمد لله إنك جيت انا كنت
حموت و الله الناس اللي برا
دول عاوزين ېموتوني
ارجوك خرجني من هنا....
دفعها بغل على الأرض قائلا...طول عمرك
أنانية متغيرتيش..مش بتفكري غير في نفسك....
نظرت نحوه بذهول و هي