رواية "احبه قلبي" (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم نهال مصطفى
الغد أخشى أن يأتي بكرة ولم يضب معه حقائب أحلامي التي عشت لأعوام أرسمها أرتعب لمجرد الفكرة أنني سأنام في ليلة بحضن وسادة أمنياتي وأفزع صباحا على رائحة احټراقها أفزع من نومي فأجد نفسي على مرقد آخر غير مرقدي لم يتحمل قلبي تصور خسارة جديدة بل لم يعد لدي مقدرة لكي أخسر أصاغر ما تركته لي الحياة .
بت أقضي أيامي بلهفة للقاء عوضي بعد أعوام وأعوام من الفقد اتعلق بأبواب الأقدار راجية أن تأتي بتلوين أمنياتي وحياتي وقلبي .. كل ما مضى كان عبارة عن سلسلة من خسارات متتالية حتى فقدت روحي معها فحسب .. الآن ويقينا بعدالة رب السماء ستزهر روحي بمقدار ما أطفأته قسۏة الحياة فيها .
جعلوا من الأشياء القديمة ثمنا فماذا عن أرواحنا البالية !
أخ ! البالطو .. ركزي يا شمس ركزي .
علقته بكتفها سريعا بعد ما نظرت في ساعة يدها الجلدية المهترية وقالت لنفسها
كويس لسه قدامي وقت ألحق أفطر فيه مع فوفا .
فتحت باب غرفتها القديم وخرجت متجهة للمطبخ فوجدت جدتها تعد طبقا من الفول وعلى يسارها نوران أختها تقطع القليل من الخضراوات وهي تقول بنفاذ صبر مصطنع
أي اوامر تانية يا ست فوفا !
لم تستطع الحجة فادية أن تجيبها لأن عناق شمس من الخلف أنساه ما كانت ستقوله .. وبخفة طوقت شمس جدتها بحب
يسعد صباحك يا نور عيني أنا صاحية من النجمة أهو عشان أحضر لك فطور ومتنزليش على لحم بطنك زي كل يوم .
قبلت شمس يديها بحنان وقالت
دا أنا هفطر معاك وكمان هنشرب الشاي سوا .
ارتسمت الضحكة على وجه العجوز التي حفرت على تجاعيدها حزن الأيام وقالت
فرحتي قلبي يلا يا نوران استعجلي عشان أختك .
اقتربت نوران منهم معترضة
لو مش واخدين بالكم أنا اللي تالتة ثانوي يا فوفا .. أنتوا المفروض تدلعوني أكتر من كدا !
خلعت شمس فورا حقيبتها وأعطتها الكتب التي بيدها وقالت بحماس
تناولت الأدوات من يد أختها وهي تصيح بتمرد
أنا لو مجبتش مجموع السنة دي هيبقى ذنبي في رقبتكم أنا بقولكم أهو .
صاحت شمس مھددة بنيرة رفض قاطعة
طيب أبقي أعمليها كدا محدش
هيرحمك من تحت إيدي .
انتظرت العجوز خروج نوران وسرعان ما جذبت شمس ووشوشت إليها وهي تسحب محبسها الذهبي من أصبعها وتضعه براحة يدها
خدي دا بيعيه أنا عارفة تعبي أثر على مصاريف البيت وظلم نورا في دروسها .
تعلم شمس قيمة هذا الرابط الروحي بحبيب فؤاد جدتها لذلك رفضت اقتراحها نهائيا
أنت بتقولي أي ! مستحيل طبعا ألبسي خاتمك يا فوفا ومتشليش هم حاجة أنا هتصرف .
خيم فطر الحزن والعجز على ملامح جدتها وقالت بحسرة
أنا عارفة البير وغطاه يا حبيبتي إحنا مدفعناش الإيجار لينا ٣ شهور وأختك بطلت تروح دروسها ومش هيرضوا يدوكي سلفة تاني في الشغل والمعاش على ما ينزل لسه أسبوعين .. اسمعي الكلام وريحي قلبي .
صممت شمس على قرارها وعاودت الخاتم لمكانه بأصبع فادية وقالت بيقين لا تعلم مصدره لمجرد أن تطمئنها فقط
متشليش هم أنا هتصرف .
مش عايزاكي تقلعي الخاتم دا تاني ممكن !
ثم قطع حديثهم صياح نوران بالخارج التي تضور جوعا
أنتوا أكلتوا من غيري ولا أيه ! ياناس جعانة .
بسرعة شرعت شمس في رص الأطباق فوق المنضدة العريقة التي تتأرجح إثر قدمها وقالت ممازحة
شبرا كلها عرفت إننا مجوعينك .
هامت نوران نحو الطعام وهي تحمل الخبز الساخن الذي أحضرته من المخبز وقالت
الله فول بالزبدة !
فرغت فادية آخر قطعة من الجبن بالطبق وأغمضت بأسف على حالتهم وهي تلقي العلبة بسلة القمامة ثم قالت مناجية
أفرجها من عندك يا رب وأقف مع الغلبانة اللي بره دي .
حملت كوب المياه وباليد الأخرى صحن الجبن وخطت خطواتها المائلة المتعرجة لتجلس بجوار أحفادها وما لبث الفتيات في تناول إفطارهن تفوهت الجدة بأمل
ياما نفسي أفرح بيكي يا شمس قبل ما أموت .
علقت اللقيمة بحلق شمس إثر كلمة جدتها القاسېة واندفعت قائلة
بعد الشړ عنك يا حبيبتي وبعدين هو أنا مش فرحتك لما بقيت دكتورة أهو !
غمست فايدة قطعت الخبز بالطبق أمامها وقالت بابتسامة واسعة
لمعت عيون نوران إثر جملة جدتها التي لم تيأس من زرع الحب بقلوبهم وحديثها الدائم عن حب عمرها الذي رحبت الأرض بها بين ذراعيه .
تناولت شمس قطعة من الجبن وفرشتها بطرف السکين فوق قطعة الخبز وقالت بمزح يرفضه قلبها ف بقدر حاجتها للحب من الذي سيغامر بحياته ليعول حمل ثلاثة نساء أسقط خريف الزمن سندهم وأمانهم في الحياة وأردفت
اطمني يا فوفا أحب أقولك إني قاعدة على قلبك العمر كله !
سقطت الملعقة من يد جدتها وأحدثت صخبا لا يقل عن صخب روحها وهي تحتج بشدة
بعد الشړ عليك فال الله ولا فالك ليه بتقولي كدا !
ألتوى ثغرها بابتسامة ۏجع أنطوى بين ثنايا ملامحها وقالت محاولة تلطيف الجو
الشخص اللي بيتجوز الأيام دي بيكون له دافع للجواز .
تحمحمت نوران بسخرية وهى تسكب المياة من الابريق
اسمعي يا فوفا نصايح بنت بنتك اللي كلنا حاطين أملنا فيها !
نشلت شمس الكوب من قبضة أختها معاندة لسخريتها وشرعت أن ترتشف منه الماء لتبتلع غصة همومها ومن ثم كلمات فادية الساخطة وهي تبوخها
وكمان الجواز بقا له دافع يا بنات اليومين دول !
أكملت شمس حديثها بشيء أشبه بالاستهزاء
البنت اللي بتاخد قرار الجواز الأيام دي بيكون لسبب من الاتنين يا إما قلبها اتكعبل في واحد و حبته أو مشيت ورا عقلها واتكعبلت في واحد معاه فلوس كتير يحقق لها أحلامها وينتشلها من الوسط ال هي عايشة فيه .
ثم تناولت زغيف من الخبز الساخن وشرعت في إعداد حشوة من الجبن وواصلت
وأنا يا ستي لا بقى عندي قلب أمشي وراه ولا الفلوس بتغري عقلي عشان أوهب حياتي كلها لراجل فاكر إنه يقدر يشتري أي حاجة بفلوسه !
قد يحدد الإنسان مصيره ويخطط مسار أيامه المقبلة ولكن من ذا الذي يقنع رياح الأقدار بهذا ! قد يهلك المرء عقله وهو يغرس جذور أهدافه في تربة الأيام وسرعان ما تأتي عواصف القدر لاقتلاعها واقتلاع قلوبنا وأمنياتنا معها .
ألتفت ذيول الحسړة حول حدقة أعين فادية علي خيب أمانيها في أحفادها لقد عاشت
لأعوام تعلق فرحتها على اكتافهم