رواية "احبه قلبي" (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم نهال مصطفى
عن هوية الطارق الذي يطرق بابه في الساعة التاسعة صباحا !
ساعة عشان تفتح يا مراد !
قفل الباب بعد دخول والدته وأغمض عيونه بكلل وهو يخطو ناحية بار مطبخه وأجابها ناكرا
وهو مفيش حد بيزور حد الساعة ٨ الصبح يا جيهان هانم !
ألقت حقيبتها على أقرب مقعد ثم تابعت طريقها إليه
نسيت مفاتيحي أخر مرة كنت فيها هنا .
وأيه العشة اللي انت قاعد فيها دي ! هي البنت اللي بتنضف بطلت تيجي !
شرع مراد في إعداد قهوته المرة لتهون عليه مرارة صرير أمه وقال بهدوء مفتعل
طردتها !
جلست على مقعد البار متأففة
سكب قهوته بالفنجان ثم وجه أنظاره إليها
ليه دي المفروض أنا اللي أعرفها سبب تشريف جيهان هانم عندي الساعة دي !
حدجته معترضة
وأنا محتاجة أخد معاد عشان أزور ابني !
شرع في ارتشاف قهوته وبإبتسامة ساخرة قال
حنان الأم فاض جواكي الساعة ٨ الصبح !
وهو أنا عارفة اتجمع عليك صبح ولا ليل ! قلت ألحقك قبل ما تنزل شغلك يا أفندي !
يبقى ندخل في الموضوع على طول عشان أنا مش قدامي غير ساعة واحدة وأكون ف الشغل !
خالتك عاملة حفل أسطوري آخر الأسبوع ولازم تكون موجود !
رفع حاجبه معلنا
إعتراضه
وأنا من أمتى بشارك في مناسبات آل دويدار !
لازم تشارك ! شوف ليك كام سنة سايبني أنا وأخوك وأختك وعايش هنا لوحدك قولي استفدت إيه !
منا مش هقعد على سفرة واحدة مع اللي سرقوا فلوس أبويا وبيتمرمغوا في خيرنا طالما أنتي وكريم راضيين بذل عاصي دويدار والملاليم اللي بيرميهالك كل أول شهر أنا مش هقبل !
أغمضت عيونها بنفاذ صبر وهي تردد في سرها غبي ثم أطلقت زفير كلماته وسألته
ارتشف آخر رشفة من فنجانه وقال بتوعد
يعني اللي مش بيجي معايا سكة بدوسه في سكتي !
بنظرات مرتعدة رمقته جيهان لتتفحص نوايا ابنها وسألته
مراد أنت ناوي على إيه !
ناوي أكون الشوكة اللي هتقف في زور عاصي دويدار طول ما هو عايش !
أردفت محذرة
اللي يقف قصاد القطر بيدوسه يا مراد !
ماهو أنا القطر دا .
ترك أمه وعاد إلى غرفته وشرع في إخراج ملابسه من الخزانة وألقاها على مرقده وما أن سقطت أعينه على المرآه رأي انعكاس صورة أمه وهي تسن سكاكين الشړ وتقول
وأنا جاية عشان أديك أول مسمار هدقه في نعش عاصي دويدار !
مضى وقت طويل وأنا أمضي .. هكذا بهذه العشوائية .. اتخبط هنا وهناك تتساقط مني أحلامي وأمنياتي وقوتي التي أهش بها على أوجاعي كأوراق الشجر في خريفها ولم أقف لألتقط أي شيء سقط أمضي هكذا وفي صدري مخاۏف أخاف أن أقف فأسقط أخاف أن أسقط فلا يلتقطني أحد أخاف أن أمضي فيمضي الزمان معي.. ولا أصل .
تقف عالية دويدار أمام المرآة تطالع ملامحها بتيه وخوف وبأيدي مرتعشة تضع حجابا فوق رأسها كإكليل من ورد فيخفق قلبها بدقة عجيبة لازمتها منذ أعوام كل ما تتفقد وجهها في حضر الحجاب .. ترقرقت عبراتها بمشاعر مبهمة لا تعلم ما مصدرها أ هل لمست أقدامها عتبة الصواب أم ما زالت تضل الطريق !
ثم أغمضت عيونها وأخذت تردد في ذهنها بالآية الكريمة التي طوقت قلبها في درس الأمس وهمست لنفسها
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين
نور ساطع ومض في قلبها فانعكس بريقه بأعينها وهي تتبسم وتفيض بعيراتها في وقت واحد وضعت يدها على قلبها ليهدأ ليسكن من تخبطه وناجت ربها
دلني يالله .
ثم تناولت هاتفها وإلتقطت بعض الصور لها بفرحة عارمة وهي تأخذ لقطة أخيرة بزيها الإسلامي كاملا وتتفقده بحب جامح ومشاعر مضطربة .. وسرعان ما تحولت مشاعرها المختلطة لفزع إثر صوت دق الباب .. فكت حجابها سريعا ثم حررت شعرها الطويل بعشوائية وهي تعلو بصوتها
لحظه يلي على الباب !
ثم نزعت فستانها المحتشم لتظهر ب منامتها القطنية وتلملم كل هذا وتدفنه بالخزانة وتلقى نظرة أخيرة على صورتها بالمرآة لتتأكد من حقيقة طلتها المعتادة وركضت بسرعة لتفتح الباب الذي أحكمت غلقه وبأنفاس متصاعدة
صباح الخير يا مامي !
إمراة في منتصف عقدها السادس بملابس عصرية وحذاء ذو كعب مرتفع تتقدم داخل الغرفة وتقول معترضة
كل دا عشان تفتحي ! وبعدين أنتي قافله الباب ليه !
تصلبت تعابير وجهها وتفوهت بأرتباك
ها !!
عارضتها ولدتها وهي تنهرها
انت مالك متغيرة الفترة دي ! على طول قاعدة في أوضتك ولوحدك واللي يكلمك دايما سرحانة ! مالك !
فركت عالية كفوفها بتوتر من يخفى الشيء
هيكون مالي يا مامي ! امتحانات وحضرتك عارفة كليتي مش سهلة ولازم اركز .
شرعت عبلة في تفحص أنواع مستحضرات التجميل باهظة الثمن التى أحضرتها معها من باريس فوجدتها مغلفة كما هي لم ټلمسها أنامل فتاة مولعة بحب الجمال والتزين فرمقتها بتعجب
مش بتستخدمي ليه الحاجات اللي أنا جبتهالك مخصوص من بره !
شردت عالية قليلا متناسية أمر الصندوق الفاخر الذي أحضر خصيصا لأجلها من أكبر الماركات العالمية في التجميلية وقالت ببلاهة
حاجات ايه !
مش بقول لك مش عايشة معانا !
ثم ضړبت كف على الأخر وهي توبخها
ياما حذرتك وقولت لك سيبك من جو الهندسة دا بتاع الشباب وادخلي حاجة خفيفة تعيشك سنك !
تلعثمت عالية بهدوء محاولة استجماع نفسها وتلطيف الجو مع والدتها وقالت
مين فهمك بس أن الهندسة للشباب وبس وبعدين أنا ليا تلات سنين الأولى على دفعتي ! دي حاجة تضايقك يعني !
تأففت علبة بكلل
دماغك ناشفة زي أبوكي مش هاخد معاكي لا حق ولا باطل !
اقتربت عبلة من خزانة ابنتها بخطوات متمهلة لتفحص ما بها وما ينقصها لتحضره على الفور لانها دوما
ما تتهم ابنتها بالإهمال وعدم الاكتراث لمظهرها الخارجي كما يليق بها أن تكون .. في نفس اللحظة اندفعت عالية تتمنع والدتها عن فتح خزانتها كقطة خائڤة وتقف امام خزانتها
مفيش حاجة هنا !
استغربت عبلة لعبثية تصرفات ابنتها فطالعتها بشك مريب وهى تخبرها
وريني أيه ناقصك عشان الحفلة !
جحظت أعين عالية بتوتر بين وهي تسألها
حفلة أيه !
اجابتها بحماس
الحفلة اللي هيختار منها عاصي دويدار عروسته .
مش قديم شوية الجو دا يا مامي !
حاولت عالية أن ترخي ملامحها المشدودة وتبدو بمظهر طبيعي قدر المستطاع أمام أمها ولكن براءتها كانت تتغلب على محاولاتها الفاشلة انقذتها صوت الخادمة وهي تحمل بيدها فستان ملفوف داخل حقيبته
عبلة هانم فستان ست عالية وصل !
نسيت عبلة أمر الخزانة وهامت متحمسة لتفحص الفستان الذي احضرته على ذوقها لابنتها وما أن أخرجته أمام أعينها ف شهقت مبهورة
يجنن يا لولا وعليك هيبقى تحفة .
انكمشت ملامح عالية بتلجلج
مش مفتوح أوي يا مامي !
أردفت عبلة بحدة
أيه !
لحقت عالية نفسها على الفور وقالت
لا جميل .. جميل بس تعبتي
نفسك .. مكنش له لزوم عندي كتير