رواية فاذا هوى القلب(كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم
دقات خفيفة على باب الغرفة فأسرعت بفك كفيها المتشابكين وتمددت على الفراش مدعية النوم دثرت نفسها بالغطاء وكفكفت عبراتها سريعا كي لا ينكشف أمرها
لم
يكن بها أي رغبة بالحديث أو مشاركة مشاعرها مع أي شخص
استطاعت أن تسمع صوت تلك الخطوات الخاڤتة المتسللة إليها وحافظت بمهارة على ثباتها حتى ظنت المتواجدة بالغرفة أنها نائمة
شعرت بتلك اللمسة الحنون على جبينها وتلك القبلة المطمئنة أعلى رأسها
ربنا يعينك يا بنتي على اللي جاي ويفرح قلبك ويعوضك كل خير
انحنت مجددا لتقبلها ثم عدلت من وضعية الغطاء عليها وتركتها وانصرفت
علقت جليلة جلباب زوجها على المشجب الشماعة بعد أن نفضته والتفتت لزوجها لتهتف بإعجاب
والله ما يجيبها إلا رجالها!
تسلم يا حاج دايما كده نصير المظلوم
رد عليها طه بصوت آجش
ماهو اللي زي ده كان عاوز اللي يقفله ويربيه
عندك حق!
أضاف طه قائلا بصوت مزعوج وهو يشير بكف يده
ماهو مكانش ينفع أسكتله ده جاب سيرة عواطف وهي تمسني بردك!
اه مظبوط!
ثم تحركت عدة خطوات للأمام لتسنده إلى جوار خزانة الملابس قائلة بتشجيع
واللي يتساهل مرة في حقه يستحمل اللي هيجرى!
أشار لها طه بكف يده قائلا بصوت آمر
قومي جهزيلي لقمة لأحسن واقع على الأخر!
التفتت برأسها نحوه راسمة ابتسامة سعيدة على ثغرها ومرددة بتلهف
أحلى عشا يا أبو منذر!
تأوه بأنين خفيض وهو ينحني ليفرك باطن قدمه قائلا
آآه يا رجلي محتاج أدهنها بمرهم ولا أي بتاع!
اقتربت منه مقترحة باهتمام كبير
أعملك مياه وملح تحط فيهم رجلك هاينفعوك يا حاج!
حرك رأسه بالإيجاب موافقا
ماشي يا جليلة هاتيهم!
ردت بتلهف
على طول أهوو!
ابتسم لها زوجها قائلا بإمتنان
ربنا يخليكي ليا ست أصيلة!
ضحكت في وجهه وأسرعت في خطواتها لتعد له وعاءا بلاستيكيا مليئا بالماء والملح لتخفف عنه آلام قدميه
في صباح اليوم التالي
كان يغط في نومه بإرتياح حتى بدأت تعابير وجهه في التشنج قليلا بسبب ذلك الرنين المتواصل لهاتف ما
استعاد وعيه نوعا ما لكنه لم يستيقظ كليا
في البداية ظن منذر أنه يحلم وأن صوت الهاتف ضمن حلمه الغير مفهوم فلم يهتم وقاوم نداء عقله بالإستيقاظ والانتباه
لكن مع تكراره أفاق تدريجيا من نومه
مد يده نحو الكومود محاولا البحث عنه والإمساك به لوقف صوته المزعج لكنه لم يجده فرفع رأسه مجبرا عن الوسادة ليبحث عنه بعينين ناعستين
دقق النظر بنصف عين مفتوحة ولكن لا شيء
كان الرنين أتيا من مكان أخر
فرك وجهه بكفه وتثاءب بصوت مسموع ثم رمش بعينيه لأكثر من مرة ليعتاد على الإضاءة الخاڤتة بغرفته
تكرر الرنين فانتصب في نومته وإشرأب بعنقه للأعلى مديرا رأسه للجانب
تحركت عيناه صوب التسريحة حيث ذلك الكيس البلاستيكي
كان الصوت أتيا منه فتأكد أنه يخص هاتف المرحومة حنان
تثاءب مرة أخرى بإرهاق ثم أزاح الغطاء بعيدا عنه ونزل عن الفراش ليخرجه من الكيس
فرك فروة رأسه بكف يده عدة مرات وهو يدقق النظر في شاشته الصغيرة ذات الإضاءة البرتقالية ليرى رقما غريبا صادحا عليها
ضغط على زر الإيجاب قائلا بصوت متحشرج
الو
أتاه صوتا أنثويا هاتفا بنعومة رغم جديته
مع حضرتك فندق ده رقم السيدة حنان
أجابها بإختصار
اه هو
استأنفت حديثها قائلة بنبرة رسمية
طب حضرتك احنا بنسأل عنها المفروض كانت عاملة حجز عندنا هي وبنتها بس بقالها كام يوم مش ظاهرة والمفروض تعمل check out!
توقف عن فرك رأسه مجيبا إياها بتجهم
الست حنان تعيشي انتي!
اضطربت نبرة الموظفة بعد تلقيها لهذا الخبر الصاډم وهتفت معتذرة
أنا أسفة جدا يا
فندم البقاء لله!
رد عليها بصوت متحشرج
الدوام لله متشكر!
زاد ارتباكها وهي تتابع مبررة موقفها
أنا انا معرفش ومحدش بلغ إدارة الفندق!
عادي حصل خير!
قالها منذر على مضض محاولا إنهاء الحديث معها لكنها أكملت مكالمتها مضيفة بجدية
طب يا فندم بالنسبة للمتعلقات الخاصة بالمرحومة وباقي الحساب احنا محتاجين حد يجي يستلم الشنط ويوقع الأوراق ويدفع ال
بالطبع أدرك أن عليه أن يحل تلك المسألة العالقة فورا فالموظفون بتلك الفنادق دوما يحاولون إنجاز أعمالهم بصورة رسمية لذا قاطعها قائلا بنبرة حاسمة ودون الإطالة في التفكير
أنا هاجي عندكم أخلص كل حاجة!
ردت عليه الموظفة بهدوء
تمام يا فندم في انتظار حضرتك بس ممكن أسجل اسمك عشان الاجراءات!
أجابها بنفاذ صبر
منذر طه حرب!
تابعت مجاملة بنفس النبرة المعتادة في عملها
شكرا ليك أستاذ منذر وفي انتظارك في أي وقت ومرة تانية بأكرر تعازيا الحارة للمرحومة!
رد عليها بإيجاز وقد زاد عبوس وجهه
العفو!
ضغط على زر الإنهاء وتطلع أمامه بنظرات فارغة ثم حدث نفسه بضجر وهو يضغط على شفتيه
الظاهر إتكتب عليا أخلص كل حاجة تبع عيلة خورشيد!
شعرت بلمسة رقيقة تداعب وجهها لتسحبها إلى أرض الواقع بعيدا عن أحلامها الحزينة
ظلت تفتح وتغمض جفنيها بحركة عفوية وهي تحاول الاستسلام لسلطان النوم الذي كان يجافيها طوال الليل
أوقظتها عمتها عواطف بصوت دافيء قائلة بود وابتسامتها الحنونة لم تفارق شفتيها
اصحي يا أسيف فوقي يا حبيبتي عشان تفطري معانا
ردت عليها أسيف بصوت متثاقل وناعس للغاية
مش عاوزة
مسدت عواطف على رأسها برفق قائلة
لا مافيش حاجة اسمها مش عاوزة انتي دلوقتي في بيتك تقومي تاكلي وتشربي براحتك وأنا مش هاسيبك كده هفتانة!
ردت عليها أسيف معتذرة بتهذيب
معلش ماليش نفس!
ألحت عليها عواطف بإصرار أكبر
ده أنا عاملة فطار تاكلي صوباعك وراه قومي اغسلي وشك ويالا يا بنتي ده بنات عمتك مستنينك !
تذكرت أسيف تلك الشابتين اللاتين قابلتاها بفتور ممزوج بالإنزعاج
تجدد في نفسها الإحساس بعدم الترحيب بالمنزل فردت بنبرة حرجة
بلاش أضايقهم بوجودي ك كفاية اني أخدت أوضة
قاطعتها عواطف قبل أن تكمل جملتها قائلة بجدية
تضايقي مين هما بس لسه مش واخدين عليكي!
ثم ابتسمت أكثر وهي تكمل بنبرة ودودة
بس أما هاتعرفيهم هتحبيهم والله وبعدين البت بسمة رغم لسانها الطويل إلا ان قلبها طيب وتتحب!
أزالت عنها الغطاء قليلا لتشجعها على النهوض
يالا يا بنتي والله هتتبسطي معانا قومي يالا
في الأخير اضطرت أسيف أن تلبي رغبة عمتها فلن تبقى في الفراش للأبد عليها أن تختلط بعائلتها الجديدة
استقل منذر سيارة أجرة ليصل إلى الفندق المنشود
لم تكن المسافة بعيدة فقد كان قريبا من منطقته الشعبية
توقف السائق أمام المدخل فترجل هو منها واتجه للإستقبال ليقول للموظفة المتواجدة خلف الطاولة الرخامية العالية بجدية
كان جالي تليفون من اللوكاندة هنا يقولي أستلم حاجة المرحومة حنان!
سألته الموظفة بنبرة عملية وهي تحدق فيه بتفرس
أستاذ منذر طه
أجابها بجدية دون أن تطرف عيناه
اه أنا
أسندت أمامه على الطاولة عدة أوراق وقلم حبري قائلة بهدوء
اتفضل حضرتك أنا مجهزة كل حاجة ناقص بس دفع باقي التكاليف وحضرتك هتطلع بعدها مع العامل للأوضة تستسلم المتعلقات الشخصية
لوى ثغره ليقول بجمود
ماشي
ثم هتفت الموظفة بصوت مرتفع وهي تشير بيدها لأحد العاملين
عماد من فضلك اطلع مع الأستاذ منذر أما يخلص توقيع الورق لأوضة رقم
رد عليها العامل بنبرة مطيعة
حاضر يا آنسة
بعد برهة استقل منذر المصعد ليصل إلى الطابق المتواجد به الغرفة السابقة للنزيلة حنان
جاب هو الرواق بنظرات عمومية شاملة دارسا لتفاصيله
لم يكن الفندق على قدر من المستوى لكنه كان ملائما للطبقة المتوسطة وأسعار غرفه نوعا ما
زهيدة
سبقه العامل بخطوتين ليفتح الباب له قائلا بترحيب متقن
اتفضل يا فندم دي الأوضة!
هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يرد
طيب
أشار له العامل بذراعه متابعا
الحاجة زي ما هي يا فندم محدش جه جمبها!
رد عليه منذر بتنهيدة وهو يدور ببصره في أرجاء الغرفة متفقدا محتوياتها
ماشي أنا هاجمعهم!
اقترح العامل مد يد العون له قائلا بتهذيب
لو تحب أساعد سيادتك
قاطعه منذر باقتضاب وهو يخرج له حفنة من البقشيش ليعطيها له
مافيش داعي!
اعتلى ثغر العامل ابتسامة سعيدة للغاية بعد تلقيه لهذا المبلغ وهتف قائلا بحماس
شكرا يا فندم أنا واقف برا لحد ما حضرتك تخلص أنزلك الشنط لتحت!
هز منذر رأسه قائلا بتفهم
طيب
انتظر هو حتى انصرف العامل من الغرفة ثم وقف في منتصفها ينظر بحيرة حوله وواضعا ليديه على منتصف خصره
نفخ مجددا بضيق وهو يحدث نفسه
دايما بأتحط في مواقف عجيبة مع العيلة دي!
عبست نيرمين بوجهها للغاية حينما رأت والدتها مقبلة عليها بعد أن طال تواجدها بغرفة أختها بسمة لتوقظ ابنة خالها التي ظهرت لها من العدم
هتفت بتهكم قاسې وهي تطرق بأصابعها على سطح طاولة الطعام
صحي النوم احنا هانموت من الجوع وفي ناس ولا على بالها!
رمقتها أمها بنظرات حادة وهي توبخها
بطلي نأرزة يا نيرمين ما انتي كل يوم بتصحي العصر ماجتش من 5 دقايق يعني اتأخرت فيهم!
انزعجت نيرمين من عدم اكتراث والدتها بها فصاحت معاتبة بشدة
جرى ايه يا ماما هو انتي هتقفي في صفها من دلوقتي احنا بناتك!!!!!
ردت عليها عواطف بنبرة جادة وقد قست نظراتها
وهي بنت المرحوم أخويا رياض يتيمة ومعدتش ليها حد إلا احنا يا ريت تفهمي ده!!
احتجت نيرمين على أسلوبها وردت قائلة
بس
رفعت عواطف كف يدها في وجهها وهي تقاطعها بحدة قليلة
من غير بسبسة عاملي البت كويس يا نيرمين بدل ما أقلب على الوش التاني
رمقت نيرمين والدتها بنظرات ضائقة وتمتمت مع نفسها بسخط وبصوت خفيض
مابقلهاش يوم في البيت وشقلبت حال أمي! اومال لو اعدت معانا أكتر من كده هاتعمل ايه!!!!
التفتت عواطف برأسها لتجد أسيف تتحرك ببطء نحوهما كانت تقدم قدما وتؤخر الأخرى وهي تسير بتردد ظاهر للعيان
هتفت عمتها قائلة بتشجيع
تعالي يا أسيف دي نيرمين بنتي الكبيرة انتي شوفتيها قبل كده في المستشفى ساعة
قاطعتها أسيف بحرج قليل
أها فكراها!
ثم استدارت برأسها نحوها لتهمس بصوت خجل وهي تحاول الابتسام
صباح الخير
ردت عليها نيرمين بنبرة متجهمة
أهلا!
ثم أشاحت بوجهها بعيدة عنها متجاهلة إياها عن عمد وأكملت ببرود
مش هناكل بقى ولا هنفضل نسلم ونرحب ببعض كتير!
نظرت لها عواطف شزرا وهمست بصوت مزعوج من طريقتها الجافة في التعامل معها
استغفر الله العظيم يا رب
التفتت مجددا نحو ابنة أخيها وربتت على ظهرها قائلة بنبرة مرحبة
اقعدي يا أسيف مدي ايدك يا بنتي وكلي
جلست الأخيرة على إستحياء على الطاولة وتحاشت النظر إلى نيرمين فهي تفهمت شعورها نحوها ولن تجبرها على تقبل وجودها
تعلقت أنظارها بصحن الطعام الموضوع أمامها وبدت حرجة للغاية وهي تلتقط لقيمات صغيرة من الخبز
صاحت عواطف بنبرة متلهفة
إن شاء الله الأكل يعجبك!
ثم وقفت إلى جوارها وصبت لها الشاي الساخن في قدحها وتابعت متسائلة باهتمام
قوليلي تحبي أعملك ايه على الغدا
هزت رأسها نافية وهي