الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رواية رحلة اثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 51 من 81 صفحات

موقع أيام نيوز

مخطوبة
حينئذ نظر له فؤاد بنظرة صارمة وكأنه يحذره من إفساد مسألة الشراكة بالخوض في نزوة لاهية ومع ذلك لم ينطق بكلمة بينما استمر شوقي في الحديث فأضاف
ناريمان آخر حاجة بتفكر فيها الخطوبة أو الجواز 
ثم أطلق ضحكة مصطنعة قبل أن يتابع
وبصراحة كده أنا اللي مشجعها على ده مش لاقي الشخص المناسب اللي يستاهلها فسايبها تعيش حياتها بالطول وبالعرض 
استغل مهاب الفرصة ليعقب بمكر يجيده
هي زي الأميرات تستاهل الأفضل ومش أي حد
وصل إليه مدلوله العابث فحذره
إنت هتعاكس بنتي قصادي ولا إيه يا مهاب
في التو استعمل أسلوبه المتمرس الخبير وقال ممازحا
مقدرش يا فندم وبعدين فؤاد باشا يقطع رقبتي!
قهقه شوقي ضاحكا على ما اعتبرها طرفة في حين استمر مهاب في كلامه باسما
في المسائل دي مابيتساهلش!
حمحم فؤاد مستطردا
خلونا نرجع للشغل تاني 
لحظات واستفاق مهاب من الذكرى غير البعيدة عنه وقد لاحت ابتسامة راقية على وجهه سرعان ما تدارك وجودها وأخفاها ببراعة وراء ملامح الجدية ليخاطب رفيقه مشددا
أنا مش عاوز شوشرة في الحكاية دي ماتنساش أنا ليا لي سمعتي هنا 
ضحك ممدوح هازئا وقال بشفاه ملتوية كأنما يسخر منه
طبعا وأنا سيد من يداري عليك 
ترك مهاب كأسه مؤكدا في صوت هادئ
وزي ما وعدتك هظبطك 
رد عليه مظهرا عدم ممانعته
اتفقنا 
نهض من جواره
وتحرك
بعدئذ تجاه باب غرفة مكتبه ليدير برأسه قائلا
هسيبك تكمل كاسك وهطلع أبلغ المدام بالقرار 
أشار له بكأسه هاتفا ببرود مستمتع
خد راحتك 
اختفى مهاب وبقيت نظرات ممدوح على أثره ليقول باسترخاء شديد وهو يفرد ذراعه على حافة الأريكة متمتعا بالدور الجديد الذي منح له
ما أنا بقيت في بيتي خلاص!
ظلت تعتصر كفيها معا وهي تدور حول نفسها في عدد غير معلوم من الدوائر المفرغة لا تعرف ما الذي يخبئه المجهول لها فزوجها لا يمكن التنبؤ بتصرفاته انتفضت تهاني فزعة كليا حين فتح الباب فجأة بالكاد أطبقت على لتمنع نفسها من الصړاخ حين رأته يلج للداخل نظر لها مهاب شزرا واستطرد ممهدا لحديثه بتحذير
لاقيت حل لمشكلتنا بس مش عاوز اعتراض 
دون تفكير انطلق لسانها يخبره وهي تهز رأسها بإيماءات موافقة
أنا جاهزة لأي حاجة طالما مش هبعد عن ابني 
ظل يتفرس وجهها مليا ليخبرها على مهل كأنما يراقب ردة فعلها
إنتي هتتجوزي ممدوح!
برزت عيناها واتسعتا في صدمة كبيرة قبل أن تردد بصوت ذاهل وملامح أكثر اندهاشا
إيه ممدوح مين
ابتسم في سخط وعلق بتهكم
هو في غيره صاحبي!
انقبض قلبها بقوة كما شعرت بالخدر يصيب تفكيرها فراحت تردد بلا استيعاب
إزاي الكلام ده معقولة أنا وآ 
رفضت تقبل الفكرة برمتها وصاحت مستنكرة لجوئه لهذا الأمر
لأ ما ينفعش!! استحالة طبعا!!
زفر الهواء عاليا وقال بتصميم
مافيش قدامي إلا هو عشان أعرف أردك من تاني 
سلطت نظراتها المستهجنة عليه وخاطبته في عتاب مصډوم
مهاب إزاي تقبل بكده
قال بهدوء
فترة بسيطة لحد ما نرجع لوضعنا 
مجددا اعترضت بعناد على اقتراحه الصاډم
بس آ 
قاطعها قبل أن تتم جملتها مستخدما لهجة الإنذار
أنا قولت مش عاوز اعتراض وإلا إنتي عارفة النهاية 
أولاها ظهره وتركها في الغرفة تتخبط في أفكارها فاڼهارت جالسة على أقرب مقعد متسائلة في غير تصديق وبتحير مشوب بالخۏف والارتياع
طب تيجي إزاي!!
زادته هما على هم بعدما ملأت رأسه وعبأتها بكلامها المسمۏم عن زوجة شقيقه تلك التي أفسدت الود بين أفراد العائلة وزرعت القطيعة والخصام بين الأرحام فما كان منه إلا أن استجاب بعد وسوسة وإلحاح لخطتها الجهنمية لتخليص شقيقه المسكين ممن اعتبرتها الأفعى الخبيثة هبط بدري من الحافلة التي قطعت مسافة طويلة من بلدته ليصل إلى حيث يقطن شقيقه وحديث والدته يرن في أذنه
هي اللي بوظت حياتنا وجابت لنا النحس والهم 
آنئذ رد عليها متعللا
بس يامه هما اللي استغنوا عن خدماتي وآ 
قاطعته في حدة
وده حصل إزاي ما هو بسببها يا ضنايا!!
نظر لها وهو مقطب الجبين فأكملت على نفس النهج اللئيم
ناس حبايبي قالولي إنها عملتلك عمل تخرب به حياتك وتخسرك كل حاجة 
سألته في خبث لتضمن ملء نفسه بالمزيد من الكراهية والأحقاد تجاهها فتضمن بذلك انصياعه التام لها
قولي إنت شوفت من إمتى الراحة والهنا من بعد معرفتها الشوم!!!
تحديث إليه في غير رأفة
لو سمعت كلامي ونفذته بالحرف صدقني هنرتاح كلنا منها والدنيا هترجع تضحكلك 
قال بتردد
بس ده حرام وآ 
أسكتته بصياحها
وحلال اللي إنت فيه ده لا شغلة ولا مشغلة ولا جواز ولا عيال ولا أي نصيبة خالص!!
لاذ بالصمت مجبرا فاستمرت في إحراقه بنيران كلامها
وأخوك عمره ما هيسمع كلامي هيركبها علينا كلنا ويدلدلها فوق رقابنا بكرة نلاقيها جاية واخدة اللي فاضلنا من ملكنا وتقعد وتتربع!
عكست تعابيره حينها شړا متعاظما فابتسمت وهي تزيد من وسوستها الخبيثة إليه
اعمل بس اللي قولتلك عليه وأنا في ضهرك مش هسيبك
عاد إلى واقعه وهو يسرع في خطواته ليعبر الطريق استجاب لما دعته إليه والدته وشرع في تنفيذ ما أملته عليه كان يعلم جيدا أن شقيقه لا يتواجد نهارا
ببيته وينشغل
بالعمل ويتشاغل بالبحث عن مصادر الرزق لذا كانت هذه فرصته المناسبة للذهاب إلى زوجته والانفراد بها ليقوم بالجزء الأخطر ألا وهو تلويث سمعتها بالأكاذيب الباطلة المتعلقة بالشرف والعرض فيظن أنها قد قامت باستدعائه في الخفاء لتستمر معه في علاقتها غير الشريفة به فينهي زيجتهما للأبد غير مكترث بالضرر الذي قد يلحق بها ويدمرها كليا 
لحظة غادرة لم ينتبه فيها إلى أين يضع قدمه خاصة مع الزحام الشديد فتجمد في موضعه عندما رأى هذه الشاحنة الضخمة تقترب منه استوعب الخطړ وتداركه وحاول تفادي سائقها الأرعن كاد أن ينجح في النجاة ببدنه لولا أن لحقت سيارة أخرى به لم يرها مطلقا وكأن القدر قد أعمى بصره فصډمته في قساوة ودهست ساقيه لينطرح على الأسفلت القاسې وهو ېنزف دما غزيرا وصوت صراخه يجلجل في الأنحاء 
بعد أن وصلت إليه الأخبار السيئة اصطحب زوجته واتجه في الحال إلى المشفى شبه الاستثماري ليتفقد أحوال شقيقه الأصغر اعتصر الألم قلبه وبكاه بكاء مريرا خاصة حينما علم بسوء وضعه الصحي انزوى عوض في ركن من ردهة المشفى وجلس القرفصاء ثم رفع وجهه المهموم للسماء ليتضرع إلى المولى بكل أمل ورجاء أن ينظر إليه بعين الرحمة وينجيه مما هو فيه تأملته فردوس بإشفاق كانت تشاركه حزنه وألمه وربما أكثر من ذلك بقليل فلم تنس أنه أول شخص يخفق فؤادها إليه وإن تسبب في تهشيم روحها وإيذائها نفسيا لكنها كانت على استعداد كامل لمسامحته والعفو عما ارتكبه في حقها من أجل أن تراه بخير  
نهضت واقفة عندما جاءت إحدى الممرضات تسأل عن أقارب المصاپ نادت في الحال على زوجها بصوت مرتفع ومذعور
تعالى يا عوض الدكتور عاوزك 
استعان زوجها بمرفقيه ليستند على الحائط ويقوم واقفا كانت قدماه لا تسعفاه ليسير فتعثر في مشيه المتخبط إلى أن بلغها فسألها بنبرته اللاهثة
أخويا كويس
ردت عليه بحذر ووجهه يظهر تعبيرا رسميا عليه
اطمن احنا عملنا كل حاجة نقدر عليها بس إنت هتعرف أكتر عن حالته من الدكتور هو مستنيك في مكتبه 
اندهشت فردوس لعزوف الطبيب عن مقابلتهما وتساءلت في انزعاج مستنكر
وهو مطلعش يكلمنا بنفسه ليه
هزت كتفيها قائلة بوجوم
معرفش 
سألها عوض بتلهف ملتاع
أخويا فين دلوقتي
التفتت ناظرة إليه وهي تجيبه
في العناية المشددة ومن فضلك متعطلنيش الدكتور منتظرك هناك 
ثم أشارت إلى بقعة بعينها حيث تتواجد بها غرف الأطباء ودلتهما على الطريق لتتركهما بعدئذ وترحل أمسك عوض بذراع زوجته جذبه منها وانطلق إلى حيث أرشدتهما قائلا في قلق متصاعد
بينا يا فردوس نفهم في إيه 
سارت معه وهي تضع قبضتها على صدرها تتحسس نبضاته المتسارعة لتتمتم بصوت خفيض
استر يا رب 
أمام السرير الممدد عليه شقيقه الموصول بأجهزة طبية وقف عوض يتطلع إليه بحسرة وحزن فالطبيب أعلمه بمدى الضرر الجسيم الذي وقع عليه خاصة نصفه السفلي وجعله قاب قوسين أو أدنى من المۏت وإن نجا منه بعد إجراءات عمليات جراحية هامة فسيصبح عاجزا حتى يفنى عمره المؤسف في ذلك الأمر أنه لا يملك من المال ما يساعده على سداد تكلفة هذه الجراحات الضرورية كان فقيرا معدما لا يملك إلا قوت يومه فكيف له أن يؤمن هذا الكم الطائل من الأموال لإنقاذه بكى في أسى وۏجع غير مكترث بمن يبصره على هذه الحالة المفطورة من خلفه وقفت فردوس تتأمل حالة بدري بحزن عميق لم تتوقع أن يحز في نفسها بشدة رؤيته هكذا لا حول له ولا قوة! تركت هي الأخرى العنان لدموعها الصامتة تنساب وأصغت إلى همهمة
زوجها المكلوم وهو يرثي
حاله البائس
يا ريتني أملك حاجة ياخويا وأنا مأخرهاش عنك 
لم تفكر فردوس
مرتين وراحت تخبره من تلقاء نفسها
أنا كنت عاينة حتت دهب صغيرة بيعها يا عوض جايز تفيد بحاجة 
استدار قليلا لينظر إليها وقال في حزن شديد يعبر عن عجزه
يا فردوس المطلوب ألوفات واحنا على باب الله 
ردت عليه في إصرار وهي تربت على كتفه
أهي نواية تسند الزير 
التف كلاهما معا نحو فراش بدري عندما سمعا ندائه الضعيف
ع عوض!
صاحت فردوس في تلهف وهي تدفع زوجها للاقتراب منه
الحق أخوك فاق 
تحرك الأخير ليلتصق بجانب رأسه المستلقي على السرير ورجاه بصوت شبه باك
ماتتعبش نفسك يا بدري أنا جمبك ياخويا 
بينما تكلمت فردوس في سرور حقيقي ظاهر عليها
بركة إنك بخير 
عاد عوض ليقول بامتنان شاكر
ألف حمد وشكر ليك يا رب 
سعل بدري پألم وحاول الكلام فقال بصعوبة وبصوت يكاد يكون مسموعا لكليهما
حقك عليا 
احتضن عوض كف شقيقه بين راحتيه واندهش في توتر وهو يطلب منه
سامحني 
كان الأخير يملك من السمات الحميدة ما جعله يعفو عنه في التو وأفصح عن ذلك علنا بترديده
مسامحك ياخويا المهم عندي إنك ترجع بالسلامة تاني 
مجددا سعل بدري في ألم وحاول أن يخاطبه فخرج صوته متقطعا
أنا أنا 
رجاه شقيقه الأكبر بتوسل
ماتجهدش نفسك بالكلام بالله عليك حاول ترتاح 
رغم ضراوة الآلام التي تفتك به إلا أنه أصر على مخاطبته قائلا
اسمعني بس 
بدا صوته أقرب لنبرة الوداع حينما تابع بعناء
جايز تكون دي آخر مرة!
ردت فردوس باندفاع نزق وكأن قلبها من يتحدث لا لسانها
بعد الشړ عنك إن شاءالله هتقوم بالسلامة 
اتجه بدري بعينين الدامعتين إلى وجه فردوس واستطرد معترفا في ندم
أنا كنت ناوي أوسخ سمعة مراتك عشان تطلقها 
شهقت فردوس مصعوقة بعد الذي سمعته وارتجف بدنها بالكامل في حين تابع بدري بصعوبة واضحة
بس ربنا أراد يرحمها من ظلمي ليها 
وكأن أحدهم قد هوى بمطرقة قاسېة على رأسها فهشمها بلا رحمة استنكرت اعترافه الخطېر بشدة وصاحت بصوت ناهج ومنفعل
إنت بتقول إيه
واصل اعترافاته الأخيرة مرددا
كلام أمي عماني وخلاني أسعى
50  51  52 

انت في الصفحة 51 من 81 صفحات