الأحد 01 ديسمبر 2024

رواية رحلة اثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 60 من 81 صفحات

موقع أيام نيوز

قبل ما تعرفيها 
أتى ردها متحفزا ضده مثل العادة
قولتلك غور من هنا وانسى إن ليك أم 
أصر عليها بتصميم معاند لرغبتها
والله المرادي أنا جاي في حاجة مهمة هتفرحك اسمعيني بس الأول 
هتفت عاليا في سخط
وأنا من إمتى بفرح واللي بتعمله مزعلني وقاهر قلبي
لم يجد بدا من إخبارها هكذا من موضع وقوفه رغم تمنيه لرؤية تعابير وجهها وهو يلقي بالخبر على مسامعها
يامه ربنا هيعوضنا خير وهيرزقنا بعيل 
حينها فقط سمع وقع خطوات قدمي والدته وهما تتحركان لتدنو من الباب أتاه أيضاصوتها المتسائل في ذهول قبل أن تفتحه
بتقول إيه
انتشى داخله لتخليها عن عنادها المحطم لنفسيته وتحمس للغاية للالتقاء بها فتحت الباب فانتفض قلبه ورفرف بين ضلوعه تأمل وجهها العابس بنظرات فرحة وفي غاية السعادة فما أجمل الظفر بلمحة من الأحب والأغلى إلى الفؤاد سألته أمه في تحفز غريب
إنت بتتكلم جد
انحنى على يدها بعدما أمسك بها يقبلها وقال مبتسما بشدة
أيوه يامه ربنا كرمه واسع وفردوس حامل 
أشارت له بيده الأخرى ليتبعها وهي تأمره
تعالى جوا 
سار خلفها مسرورا ليستطرد في نشوة عارمة
كنت عارف إن قلبك هيحن لما تعرفي عمر إحساسي ما خيب أبدا 
جلس على المصطبة الخشبية مجاورا لها شملها بنظرات متشوقة لمثل هذا القرب الدافئ وسألها في حماس ممزوج بالبهجة
فرحانة يامه
لم تعطه أي رد ومع ذلك ارتضى بالقليل الذي منحته له تابع الحديث في استرسال
إن شاءالله اللي جاي هيكون في غلاوة بدري ويعوضنا عن فراقه 
ظلت تنظر إليه في صمت فاستمر يضيف بقدر من الرجاء الشديد
أنا مش عاوزك تفضلي زعلانة مني يامه ومقطعاني إنتي بركة حياتي 
طالعته بنظرة غامضة لتقول بعدها في هدوء مريب 
ماشي يا عوض 
لم يشك للحظة واحدة في نواياها السيئة تجاه زوجته بل على العكس كان في قمة الرضا معتقدا بتبدد ما كان قائما بينهما من خلافات وخصام 
منذ أن عاد من الخارج وهو في حالة غير الحالة التي كان عليها صباح اليوم ظل ممدوح واجما متصلبا يتصيد الأخطاء لها وكأنه يمهد السبيل للتخلي عنها أحست تهاني بنفسها تهوي من أعالي السماء لتنسحق وهي تلامس الأرض القاسېة عندما عنفها بتأنيب على ما حدث
إنتي قاصدة تقللي مني قصاده
نظرت إليه بذهول مرتاع لا تعرف ما الذي أصابه لتتبدل أحواله لهذا الشكل المخيف انقبض صدرها بقوة وهو يسألها في نبرة مليئة بالاتهام
لسه بتفكري فيه بعد كل اللي حصل!!!
ظلت عيناها مندهشة لا تقوى على الرمش وهو يخاطبها بحدة
ما أنا الاستبن اللي مركون على الرف 
نفت اتهاماته المزعومة بتأكيدها المذعور
أبدا والله بس إنت بنفسك شايف بيعلم أوس إيه!
استخف بما قالت ولوى ثغره معلقا في نفور
كل حاجة أوس هي دي الحجة المناسبة عشان تفضلي جمبه وأنا زي المغفل مصدقك 
هتفت من فورها نافية شكوكه المرعبة لها
اقسم بالله أنا مابطقوش إزاي تظن كده
أحست بعاصفة من الخۏف تجتاحها وهو يخبرها بلهجة غريبة لم ترحها مطلقا
تهاني الوضع ده مابقاش عاجبني أنا مش حاسس إني مستقل بحياتي دايما مهاب محشور فيها 
هربت الډماء من وجهها وراحت أطرافها ترتجف بقوة عندما أضاف عن عمد قاصدا إفساد علاقتهما
وطبعا عشان خاطر ابنك إنتي مضطرية تقدمي تنازلات ومش مهم جوزك 
لحظتها أحست تهاني أن حياتها على وشك الاڼهيار وأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من التخريب لهذا هتفت بوجل وهي تتعلق بذراعيه
لأ متقولش كده يا ممدوح! أنا استحالة أتصرف بالشكل ده معاك إنت حبيبي أنا عرفت طعم الحب واتعلمته على إيديك 
أبعد قبضتيها عنه ليقول بجمود أرعبها تماما
بيتهيألي احنا محتاجين نبعد فترة عن بعض لحد ما نشوف هنقرر إيه 
لحظتها شعرت وكأن قلبها ينسحق بين الرحايا فصړخت في توسل
لأ يا ممدوح ماتعملش فيا كده 
تركها ومضى وهو يعلم تمام العلم أن قربه منها صار عصيا عليها وما هي إلا بضعة صدامات أخرى قاسمة ليقضي على ارتباطهما كليا ومن جذوره!
أشرق وجهه وسر داخله وهو يحمل في يده بعناية واضحة ملفوف طيب المذاق أعدته والدته خصيصا لأجل زوجته في وعاء مستقل كنوع من المبادرة للتصالح بينهما لم ينس طوال الطريق توصياتها بتناوله كاملا وإلا لڠضبت منه لعصيانه أمرها خاصة أنها هديتها الغالية إليها وبذلت فيها الطاقة والجهد لإسعادها لهذا وعدها بتحقيق مطلبها دون أن يشك أبدا في نواياها عاد إلى البيت فاستقبلته زوجته باهتمام يخالطه الفضول فقد رغبت في معرفة تبعات هذه الزيارة وكانت المفاجأة بترحيب أمه لعودة العلاقات الودية
ونسيان أحزان الماضي وما زاد من اندهاشها هو تجهيزها بنفسها لهذا الطعام المرهق في تحضيره اشتمت رائحته الشهية وعلقت مبتسمة
مكانش ليه لازمة تتعب نفسها!
أكد لها بحسن نية
أمي لما بتحب حد بتعمله محشي ومحلفاني تاكلي منه أول واحدة بس أنا مقدرش مادوقش معاكي 
هزت رأسها موافقة وقالت
خلاص هرص الأطباق وناكله سوا
رد عليها وهو يشير بيده نحو الحمام
عقبال ما أكون غسلت إيدي وشي من الطريق 
خاطبته من موضعها وهي تقرب الوعاء من أنفها لتستنشق مجددا رائحته الشهية
أنا حطالك فوطة نضيفة 
أثنى على اهتمامها به قائلا
كتر خيرك 
بغير عجالة أحضرت الأطباق والمعالق ووزعتها بينهما ثم راحت تفرغ قدرا من الملفوف في صحنيهما بعدما رصت الطعام الذي أعدته سابقا ليكون بجانب هدية حماتها استطردت تهاني محدثة نفسها بتحير
مش بعوايدها تعاملني كده!
تنهدت مليا وتابعت
سبحانه مغير القلوب 
أمسكت فردوس بأول قطعة من الملفوف تذوقتها على مهل ثم تكلمت وفمها مملوء بالبقايا
الله! طعمه جميل!
ابتلعتها كاملة وراحت تحادث نفسها مبتسمة قليلا
هي من زمان نفسها حلو في الأكل 
رغما عنها تنشطت ذاكرتها بمشاهد قديمة جمعتها مع بكري وهي تسعى آنذاك لفعل كل شيء لنيل استحسان أمه لتظهر في عينيها بمظهر الزوجة المطيعة الدؤوبة والحريصة على ما يسعد زوجها ويرضيه وفي الأخير كان جزائها الإقصاء والمهانة والتحقير نفضت ما يؤلمها من ذكريات وشددت على نفسها
مالوش لازمة نحكي في الماضي اللي راح راح خلاص!
أحست بتأنيب الضمير لاستحضارها مثل هذه الأحداث المؤسفة في عقلها وأخبرت نفسها
انسي يا فردوس عشان تعرفي تعيشي!
مرة ثانية تناول قطعة أخرى والتهمتها بنهم لينضم إليها زوجها لاحقا مستطردا بالكلام وهو يشمر كميه متهيئا لتناول وجبته بشهية
إنتي كلته على طول طب استنيني!
ضحكت في مرح وأخبرته وهي تضع في جوفها قطعة ثالثة
بصراحة مقدرتش أصل ريحته تفتح النفس!
شاركها الضحك وعلق
إنتي هتقوليلي ده احنا زمان كنا پنتخانق على مين ياخد أكتر 
توقفت فردوس فجأة عن مضغ ما في جوفها عندما شعرت بهذه الوخزة المباغتة والحادة ټضرب معدتها تجاهلتها في البداية وابتلعت البقايا لتشعر بعد لحظة بوخزة أخرى أقوى في حدتها تأوهت بصوت خفيض وعبس كامل وجهها وامتقع سألها عوض مستغربا ما أصابها
مالك في إيه
وضعت يدها على بطنها وأجابته بملامح مكفهرة
في نغصة كده في جانبي!
عاتبها في صوت هادئ متوهما أن ما أصابها من إعياء جراء إرهاق نفسها بأعباء المنزل
مش أنا موصيكي ماتعمليش حاجة
أوضحت له بصوت متقطع
والله أنا طول اليوم نايمة بس آ 
عجزت عن إتمام جملتها لشعورها بدفعة متدفقة من الوخزات الممېتة انفلتت منها شهقة عالية أفزعته
آآآآآه 
في التو انتفض زوجها ووقف بجوارها متسائلا في توجس مرتاع
مالك يا فردوس
انحنت للأمام واضعة قبضتيها على بطنها صړخت مجددا وهي تشكو إليه عظم الألم الذي يجتاحها 
بطني بتتقطع مش قادرة 
انتابه المزيد من الخۏف وهو يتلفت حوله متسائلا بتخبط
يا ساتر يا رب طب قوليلي أعمل إيه
عجزت عن الوقوف كليا فاڼهارت جاثية على ركبتيها وهي تستغيث به في أنفاس مضطربة وقد راح جسدها يرتعش ويتصبب عرقا باردا
الحقني ھموت !!!!
يتبع الفصل التاسع والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
كتب عليها الفراق
أزاحت برقة طرف الستارة البيضاء المنسدلة على زجاج الشرفة لتتأمل الحديقة المورقة أمامها لفت أنظارها ذلك الصغير الذي كان يركض بتعجل في الأنحاء وعلى وجهه تكشيرة عظيمة تعلقت عيناها به إلى أن اختفى عن مدى بصرها أصاب بدنها نفضة صغيرة عندما سمعت صوتا مألوفا يأتي من خلفها ليخاطبها بترحيب حار
شرفتي بيتي المتواضع يا ناريمان هانم ولو إني زعلان إن شوقي بيه مجاش بنفسه 
استدارت لتنظر إليه وخاطبته في لطافة مماثلة لها
كلك ذوق هو بابي مشغول وإلا مكانش بعتني!
ابتسم في تهذيب وعلق بتغزل عفيف وهو يدنو من موضع وقوفها
ده عشان حظي الحلو 
تجاوزت عن تلميحه المتواري معتبرة إياه مجرد إطراء تقليدي وسألته في قدر من الاهتمام بعدما تحركت مبتعدة لتجلس على الأريكة الجلدية
إنت ناوي تستقر هنا خلاص
لم يعطها ردا قاطعا حينما أجابها وهو يجلس مجاورا لها
على حسب الوضع والظروف 
استرعى ذلك فضولها فانتقلت لسؤالها التالي
وأملاك العيلة
جاء رده بسيطا ومباشرا
سامي هيتولى المسئولية وأنا واثق إنه هينجح 
مطت فمها للحظة ثم أخبرته بهدوء وهذه النظرة المتشككة تطل من عينيها
مع إن في كلام تاني كنت سمعاه بيقول العكس 
تغاضى عن التورية الخفية في كلامها عن وجود خلافات سابقة بين الشقيقين ورد بدبلوماسية جيدة
الناس مابتبطلش كلام المهم الأفعال في النهاية 
أعجبها رده الاحترافي ووافقته قائلة
معاك حق 
في نعومة ظاهرة على تصرفاتها فراح مهاب يميل ناحيتها بعدما أخرج ولاعته من سترته ليشعلها لها أخذت ناريمان نفسا سريعا وحررته مثلما استنشقته لتسأله
صحيح ده ابنك اللي شوفته في الجنينة
لاحت ابتسامة لبقة على محياه وهو يرد
أيوه أوس 
رفعت حاجبها للأعلى وتابعت
فيه شبه منك 
صحح لها بتفاخر
هو واخد أكتر من الباشا فؤاد الله يرحمه 
المصنوعة من الكريستال تساءل بعدها مهاب في نبرة مهتمة
تحبي تشربي إيه عقبال ما الغدا يجهز
أعادت وضع علبة السچائر بداخل حقيبتها ثم نهضت من موضعها هاتفة في اعتذار منمق
ميرسي مش عاوزة أنا
عاملة ريجيم 
بعبوس زائف ردد وهو ينهض بدوره
معقولة تبقي عندي وترفضي أقوم معاكي بالواجب كده هزعل بجد!
مدت يدها لمصافحته تمهيدا لانصرافها وهي تقول
مرة تانية عن إذنك 
لم يترك يدها بل رفع أصابعها الناعمة والمضمومة معا إلى فمه ليطبع قبلة صغيرة عليهم واستأذن منها 
اسمحيلي أوصلك 
الرقي الذي كان عليه معها أشعرها باهتماما كبيرا نحوها وتقديرا غير عادي لشخصها رغم كونه يملك أضعاف ما تستحوذ عليه عائلتها ومع ذلك عاملته بأسلوبها المتعالي وخاطبته في رسمية
السواق منتظرني برا 
استعادت يدها وسارت نحو الخارج وهو إلى جوارها يسير على خطاها المتمهلة نظر إليها متسائلا
هتفضلي هنا
أجابته بعد زفير خاطف
لأ هرجع الفندق وبعدين على المطار 
في تلك الأثناء كان الصغير يتجول بالبهو المتسع فناداه والده بصوت مرتفع
أوس! تعالى!
الټفت الصغير إليه واتجه ناحيته مركزا كامل نظراته الحادة على الضيفة الغريبة أشار إليه أبيه ليرحب بها وهو يأمره
سلم على ناريمان هانم 
استجاب لأمره وصافحها فداعبت بيدها الأخرى الطليقة خصلات شعره وسألته في لطافة
هاي إزيك
اكتفى بالإيماء برأسه وانصرف في هدوء دون أن ينطق بشيء فاندهشت
59  60  61 

انت في الصفحة 60 من 81 صفحات