الأحد 24 نوفمبر 2024

رواية رحلة الآثام (كاملة الى الفصل الأخير) بقلم منال سالم

انت في الصفحة 24 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز


برأسها
أيوه ولاد الحلال دلوني على الحتة دي.
هزت شقيقتها رأسها في تفهم فأضافت الأخيرة مجددا بجدية تامة وإصبعها موجه نحو أحد الأبنية
هو شغال هناك!
في التو اتجهتا إليه وولجتا إلى الداخل لتسألا عنه لكنه لم يكن موجودا لذا انتظرت الاثنتان لما يقرب من الربع ساعة دون أن يصل بعد. تحدثت عقيلة في ضجر وهي تشير بإصبعها نحو بقعة شاغرة

خلينا أعدين بقى على الرصيف لحد ما نشوفه.
ردت أفكار وهي تطرد الهواء من رئتيها
ماشي.
افترشت كلتاهما الأرضية بعد وضع قطعة من الكرتون وقامتا بمراقبة المارة بنظرات متربصة إلى أن لمحته أفكار قادما من على بعد صاحت مهللة وهي تستند على ذراع شقيقتها لتنهض
أهوو جاي بعجلته من هناك.
عاونتها على القيام لتتبعها في النهوض وهي ترد في تلهف قلق
الحقيه أوام.
صړخت أفكار عاليا لتلفت انتباهه
يا عوض!
الصوت المنادي باسمه جعله يدير رأسه للجانب ليجد حماة شقيقه وشقيقتها تقفان بمحاذاة الرصيف أدار الدراجة في اتجاههما وتساءل بابتسامة مهذبة
إزيك يا خالة عاملين آ...
قاطعته عقيلة قبل أن يتم جملته معنفة إياه بهجوم صريح
هي دي الأصول اللي اتربيتوا عليها يا عوض طب حتى راعوا حق الجيرة!!
حملق فيه متعجبا وتساءل في توجس متزايد
حصل إيه
أضافت أفكار هي الأخرى بنفس النبرة المتحاملة
أيوه .. أيوه اعمل نفسك مش عارف.
أسند دراجته على عمود الإنارة ووقف منتصبا وهو يستطرد مخاطبا الاثنتين في قلق عظيم
اهدوا بس عليا وخلوني أفهم في إيه!
رفعت عقيلة إصبعها للسماء وصاحت في حړقة
حسبي الله ونعم الوكيل في الظالم!
استنكر اتهامها له وحافظ قدر المستطاع على هدوئه ليفهم في النهاية الأسباب الحقيقية وراء موقفهما المعادي له.
بواسطة بعض التوسلات والرجاوات الشديدة استطاع اللحاق بدور متقدم في إجراء مكالمة دولية عاجلة بالسنترال. في التو تطرق عوض للموضوع مباشرة وراح يسرد على شقيقه عواقب ما اعتبرها فعلته الخسيسة في حق هذه الشابة المسكينة المغلوبة على أمرها أخذت الكلمات تخرج من فمه مندفعة وبقدر من الھجوم لتعنفه بغلظة
هو ده اللي اتفقنا عليه
أتى رده باردا وغير مراع
النصيب بقى ياخويا.
استمر في عتابه الشديد له بقوله الحانق والمنفعل
حرام عليك يا بدري الناس مابترحمش وهي ولية لواحدها!
علق عليه بنبرة ساخرة
لو عجباك اتجوزها إنت!
زجره في حمئة وقد تلون وجهه بحمرة الڠضب
عيب كده مايصحش.
لئلا يطل في التأنيب أخبره شقيقه الأصغر بوضوح
من الآخر كده يا عوض فردوس دي مكانتش من تنفعني من الأول وحكايتها خلصت معايا ولما يبقى في حاجة مهمة كلمني مع السلامة!
لم ينتظر
منه الرد وأنهى المكالمة ليظل عوض مرابطا في مكانه مستنكرا جفائه وقسوته أعاد وضع السماعة في مكانها وهو يهمهم پصدمة وتحسر
لا حول ولا قوة إلا بالله! طب أقول للچماعة إيه!
بطبيعة الحال استغل معارفه وصلاته القوية بذوي السلطة هنا في الوصول إلى كافة المعلومات التي تخصها دون بذل أي عناء في التحري والبحث عنها وكانت المفاجأة المدوية حينما علم أنها لم تتزوج مطلقا مثلما أشاعت رفيقتها في السكن وما قد قيل من قبل هي مجرد أكاذيب واهية لإزاحته عن الطريق لسبب غير مفهوم بالنسبة له. انتشى على الأخير وصار أفضل حالا عن السابق فاللعبة ما تزال قائمة وهو الآن يسبق منافسه بخطوة عليه فقط الوصول إليها وجرها إلى شباكه بأي طريقة كانت حتى لو تطلب ذلك فعل ما لم يقم به مسبقا. 
استدل مهاب على منطقة إقامتها بالإضافة إلى مكان دراستها وتدريبها إن تعذر عليه اللقاء بها. عاتب نفسه لإضاعة الوقت هباء ومع ذلك اتجه سريعا إلى حيث تمكث وقد رتب أفكاره جيدا ليتمكن من حبك حججه المنطقية عليها. دق الباب وانتظر بتحمس فاستقبلته نزيهة بوجه جامد ونظرات فضولية قبل تطرح عليها السؤال المعروف مسبقا
إنت مين
بدا هادئا للغاية رغم الثورة المنتفضة بداخله وهو يسألها
دكتورة تهاني موجودة!
الإتيان على ذكر هذه السخيفة جعل مزاجها الرائق يتكدر فكتفت ساعديها أمام صدرها وردت باقتضاب وقد تحولت غالبية تقاسيم وجهها للعبوس الغريب
لأ.
سألها في شيء من الاستفهام
قدامها كتير عشان ترجع
ردت بوقاحة عجيبة ونبرتها قد ارتفعت تقريبا
أنا مش السكرتيرة بتاعتها عشان يبقى معايا خط سيرها.
حدجها بنظرة متعالية شملتها من رأسها لأخمص قدميها فاغتاظت من تحقيره لها دون أن ينبس بكلمة ليردد بعدها في ثقة واضحة
مش محتاج أعرف منك حاجة أنا هوصلها.
لم ينتظر كعادته أي شيء لتضيفه انصرف مبتعدا عنها فاغتاظت من فظاظته وصفقت الباب في عڼف خفيف وهي تغمغم بوجه مقلوب التعابير
ده مين ده كمان اللي شايف نفسه علينا!!
لحسن حظه وقبل أن يغادر المبنى المقيمة به وجدها تصعد الدرج وهي منكسة لرأسها لذا لم تنتبه لوجوده فانتظر بالأعلى وعلى شفتيه هذه الابتسامة المبتهجة لتحقيقه النصر في شيء ظن أنه خسره. ما إن رفعت تهاني عينيها إليه حتى تخشبت في مكانها مصډومة بشكل كامل رأته قبالتها يطالعها بهذه النظرة الدافئة المتلهفة تلك التي حلمت بها في ليلها الكئيب وتمنتها في نهارها المرهق. تلقائيا أحست بارتفاع وجيب قلبها بتدفق الډماء المعبأة بالشوق كدفقات متواترة في كل شرايينها لتغزو كيانها وتعكس تأثيره عليها اضطربت أنفاسها ورفرفت بأهدابها غير مصدقة أنه واقف بالفعل قبالتها. حاولت تجاوزه لتمر هامسا لها بصوته العذب الساحر
ينفع كده تدوخيني وراكي
اقشعر بدنها من طريقته الآسرة في التأثير عليها بقوة فتابع على نفس الوتيرة
هونت عليكي تبعدي عني
كانت له قدرة مميزة على توليد المشاعر المرهفة تلك التي لا تخطر على البال فيتمكن من خداع ضحيته دون أن يثير في نفسها الشكوك. توسلته بنبرتها وصوتها بالكاد يسمع
دكتور مهاب!
وحشتيني.
أوشكت أن تذوب من فرط الاشتياق فحضوره المفاجئ كان مصحوبا بما رجته وتمنته وما تحرقت لوعة للتمتع به. قاومت بصعوبة تلهفها عليه وسألته في لهجة رسمية أرادت التستر خلفها
حضرتك عرفت مكاني إزاي
ابتسم وهو يخبرها بغرور يليق به
مافيش حاجة صعبة على مهاب الجندي!
هذه النبرة الواثقة المليئة بكل ما يوحي بسلطته وقوته جعلتها متأرجحة بين الثبات والاڼهيار. أحرز مهاب تقدما معها وهو يزيد من استخدام مرادفاته المميزة
أنا مش عارف أعيش من غيرك.
لزمت الصمت لكنه لم ينفع
أيضا وهو يواصل الضغط عليها بكلماته المنتقاة بعناية
مش متخيل حياتي بدونك.
للحظة راودتها الخيالات والأحلام الوردية بمستقبل عظيم معه لكن ما لبث أن أفاقت من شرودها اللحظي على حقيقة واقعها المرير المغلف بالمتناقضات فإن تجاوز عن وضعها المادي كيف له أن يقبل ببساطة وضعها الاجتماعي إن عرف من أين جاءت ومن هي عائلتها المتواضعة رنت في أذنيها عبارات ممدوح المحذرة بأنها وسيلة للهو والتسلية! فعادت لجمودها وردت پألم وتحفز وهي تدفعه من صدره لتتخطاه
دكتور مهاب أنا ظروفي غيرك خالص أنا واحدة عادية جدا وأقل من العادي عيلتي بسيطة وآ...
بترت كلامها قبل أن تستكمله عندما امتدت يده لتمسك بها من كفها شدها إليه وسألها دون تمهيد وبجدية تامة 
تتجوزيني!!
هبطت الكلمة على رأسها كالمطرقة فحدقت فيه بنظرات مذهولة متسعة قبل أن تردد بلا وعي
إيه
كرر عليها ما قاله بابتسامة ناعمة وبلا أدنى شك فيما اعتبرته نواياه الصادقة تجاهها
زي ما سمعتي تتجوزيني
ألجمت المفاجأة الصاډمة على كافة الأصعدة لسانها واعترضت في تردد محسوس
بس آ...
وضع إصبعه على شفتيه ليسكتها قائلا بعذوبة وبنبرة متحكمة
أنا عاوزك ليا ومش هسيبك!
ظلت تتطلع إليه بجسد شبه مرتعش وشفتان ترتجفان هي لا تصدق حقا ما يحدث إصراره على الزواج بها كان واقعا لا حلما عابرا بدت وكأن حياتها البائسة على وشك التغيير الجذري فقط إن أبدت موافقتها!
صوت قلبها غطى على صوت العقل وحجب المنطق فانساقت بلا هوادة وراء مشاعرها الملتاعة وقبلت بعرضه غير المقيد بشروط بالزواج منه وكيف لها ألا توافق وقد قدم لها نعيم الدنيا وثرائها على طبق من ذهب اتفق الاثنان على إتمام مراسم زواجهما بالسفارة لتتمكن من الحصول على ورقة رسمية تضمن لها كافة حقوقها كزوجة لأحد أهم الرجال بالمجتمع. كلفت تهاني الطبيب المسئول عنها بالبعثة ليكون وكيلها هنا وجلست في استحياء على الأريكة الجلدية المتسعة في الحجرة الخاصة بمدير مكتب السفير المصري. بدت في زيها الكريمي وشعرها المصفوف بعناية كشخصية راقية تنتمي للطبقة المخملية منذ نعومة أظفرها ولما لا وقد

حرص مهاب على شراء الأفخم من الثياب لها لتكون لائقة بها! 
حين اختلست النظر إليه وجدته يفوقها في تأنقه فقد ارتدى بدلة رمادية لامعة ومن أسفلها قميصه الأبيض الأنيق أما شعره فكان مرتبا قصيرا وذقنه حليقة يفوح العطر الأخاذ من جلده أما في معصمه فقد وضع ساعة يد تنتمي لماركة شهيرة بإيجاز شديد كان وسيما للغاية! 
بدأت الإجراءات بشكل هادئ وفي حضور محدود العدد تضمن المقربين فقط من بينهم بالطبع كان ممدوح الصامت الواجم فما يراه الآن فاق حد الخيال أو التصور لقد بلغت المنافسة أشدها ليفعل رفيقه ما استبعد حدوثه من قاموسه غير الأخلاقي لكنه كان متأكدا في أعماقه أن ذلك الوضع لن يدوم كثيرا فالطبع يغلب التطبع ومهاب يميل للاستحواذ والتملك لما يعجز عن بلوغه فما إن صار في يده حتى تركه بعد أن يقضي حاجته منه لذا أقنع نفسه بتعقل أن المواجهة لم تحسم بعد كما يظن بل إنها بدأت لتوها.
لهنيهة شردت تهاني في عائلتها أحست بشيء يحز في قلبها وهي تجلس هكذا وحيدة بلا سند أو دعم ألم يكن يحق لهم معرفة ذلك الخبر السار ومباركة زواجها أليست والدتها تنتظر بفارغ الصبر لحظة كتلك لتفتخر بها ولكن كيف لها أن تنسى الحړب النفسية التي شنتها عليها لإحباطها وټدمير أحلامها سرعان ما أسكتت صوت ضميرها المؤنب لها بترديدها غير المسموع
دي حياتي أنا مش هما. 
استحضرت في
ذهنها لمحات خاطفة عن مضمون المكالمات الموجزة مع أمها وشقيقتها كلتاهما كانتا تقرران المصائر دون انتظار حتى إطلاعها أو حتى الأخذ في الاعتبار برأيها السديد ظلت تحادث نفسها بلا صوت
ما هما بيعملوا كل حاجة من غير ما يقولولي وأنا دايما آخر من يعلم اشمعنى أنا!! طردت هذه الخواطر المؤرقة لها لتركز بقدر من الأنانية على ما هي مقدمة عليه مستقبلها هي فقط ولا أحد غيرها. أحضرها من تأملها الشارد الصوت الرسمي المخاطب لها
وقعي هنا يا دكتورة.
للحظة واحدة فقط ترددت لكنها غالبت ما اعتراها بقوة ومدت يدها لتمسك بالقلم الحبري نظرت تجاه مهاب المتأمل لها بنظرة طامعة في الظفر بكل ما تمنته طوال حياتها وها قد أوشكت على نيله. ارتخت تعبيراتها المشدودة وقالت بابتسامة رقيقة مملوءة بالشغف
حاضر.
استطرد المأذون متحدثا من جديد فور أن انتهت من التوقيع
الشهود من فضلكم.
من فوره تحرك ممدوح للأمام وقال باسما وبنبرة موحية وعيناه تتحولان نحو رفيقه ليرمقه بهذه النظرة الغريبة
مش محتاج تقول أنا جاهز.
التقط مهاب نظرته ذات المغزى فبادله بأخرى ظافرة مغترة قبل أن يشير له ليتابع سيره ويقوم
 

23  24  25 

انت في الصفحة 24 من 79 صفحات