الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

رواية رحلة الآثام (كاملة الى الفصل الأخير) بقلم منال سالم

انت في الصفحة 41 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز


يفعل. التزمت تهاني بكل شيء وتخلت عن أحلامها في سبيل البقاء معه. تنهيدة عميقة خرجت من رئتيها لتمنح بعدها رضيعها الذي تهدهده بلطف ابتسامة صافية النسمات الرقيقة في الشرفة وهي جالسة به جعلته يغفو بالتو ضمته إلى صدرها وانهالت على وجنته تقبله في عاطفة أمومية جياشة. همست له بالقرب من أذنه
عشانك أنا مستعدة أتحمل أي حاجة المهم ماتبعدش عني.

رغما عنها طفرت دمعة متأثرة من طرفها مسحتها بسبابتها وواصلت القول
إنت أغلى ما في حياتي.
احتوته في أحضانها الدافئة وأغمضت عينيها مستمتعة بهذه اللحظات الثمينة سرعان ما تبدد ذلك الهناء النفسي وانتفضت في قدر من الفزع عندما جاءها صوته المنفر
تهاني!
استدارت برأسها ناحية مصدره دون أن تنهض وردت في صوت مطيع
أيوه.
رأت زوجها مقبلا عليها ومن خلفه بمسافة بسيطة لمحت واحدة غريبة تجهل هويتها تقف في وقفة رسمية وترتدي ثياب الخادمة. قرأ مهاب تساؤلها المحير في عينيها دون أن تنبس بكلمة ومع ذلك أمرها
سيبي أوس للمربية بتاعته وتعالي.
كررت كلمته باندهاش متعجب
مربية!
أيوه أومال مفكرة هخلي واحدة زيك جاية من الحواري تربيه تفهمي إنتي إيه في أصول التربية!
ابتلعت مرارة الإهانة قسرا وقالت مدافعة عن نفسها پألم محسوس في نبرتها
أنا أمه يا مهاب مافيش حد هيخاف عليه ولا يحميه من الهوا الطاير زيي.
رد عليها بتصميم
واللي جايبها فاهمة شغلها كويس وعارفة هتتعامل معاه إزاي.
عفويا تشبثت تهاني برضيعها في خوف غريزي وكأنه تخشى فقدانه بانفصاله عنها حاولت إقناعه بالعدول عن رأيه فرجته
صدقني أنا هعمل المستحيل عشان أخليه أحس حد في الدنيا.
وكأنها نكرة لا أهمية لرأيها رفع سبابته أمام وجهها ينذرها
أنا قولت إيه!!
فرقع مهاب بإصبعيه للمربية لتتقدم للأمام تجاوزته متجهة إلى الرضيع أخذته قسرا من والدته والتفتت ناظرة إلى رب عملها الذي حاډثها باللغة الإنجليزية ملقيا عليها تعليماته فأظهرت طاعتها الكاملة وهي تبتسم.
اجتمعت هموم الدنيا وشقائها في ملامحه التعيسة وكيف له ألا يحزن وقد فقد المكان الذي يأويه في غمضة عين حاول قدر استطاعته توفير النفقات اللازمة لتأجير منزلا مؤقتا لكنه كان مكبلا بالديون وهذا أثقل كاهليه بشدة خاصة مع إقامته غير المستحبة لدى حماته لهذا أراد تلقي بعض المساعدة فخطړ بباله اللجوء لشقيقه إذ ربما إن علم بمصابه نجده في الحال. كما هو معتاد جلس عوض في انتظار دوره بالسنترال العمومي الزحام كان متوسطا وحينما أخبره الموظف بالتوجه إلى كابينة الهاتف الخاصة بمكالمته أسرع إليها والتقط سماعة الهاتف مخاطبا والدته فشقيقه لم يكن متواجدا لهذا اضطر أن يخبرها عما حدث فصاحت باستنكار ضاعف من شعور الذنب لديه
أنا قولتلك من الأول إني مش راضية عن الجوازة دي وإنت عاندت وركبت دماغك وهي اتطربقت في الآخر علينا كلنا.
هم بالكلام لكنها استمرت مسترسلة پغضب
هتفهم امتى إنها نحس ووش فقر.
رد عليها بحذر وقد غامت تعابيره
يامه ده نصيب الحمدلله إننا طلعنا منها بخير.
هدرت به عاليا حتى ظن أن من حوله سمعوا صوت صړاخها
نصيب إيه بس ده كل حاجة راحت وبقينا على الحميد المجيد!
بالكاد استجمع خواطره وقال بشيء من الخزي مستصعبا طلبه 
طيب أنا دلوقتي عاوز قرشين وآ...
قاطعته قبل
أن يتم جملته للنهاية بحسم
منين يا حسرة أخوك يدوب اللي جاي على أد اللي رايح!
علق بحلقه غصة مريرة فخذلانها له كان موجعا انتبه لصوتها مرة ثانية عندما طلبت منه
بقولك إيه إنت تطلق البت دي وأنا ساعتها هحاول أتصرف وابعتلك قرشين تيجي بيهم عندنا.
هتف بلا تفكير رافضا اقتراحها
مش هعمل كده يامه.
صاحت في حنق
أنا غلبت معاك ومابقتش عارفة أخد معاك لا حق ولا باطل!
ضم شفتيه وردد بعد لحظة من الصمت الموجع
كتر خيرك يامه.
اخترق صوتها الحاد أذنه وهي لا تزال تتكلم
بس خدها مني كلمة طول ما إنت سايب الفقر دي في حياتك مش هتشوف يوم عدل.
بشيء من عزة النفس والكرامة قال
ربنا وحده اللي بإيده يقرر مصايرنا.
زادت من ضغطها عليه بحديثها الختامي
إنت مابتسمعش إلا نفسك اقفل ومشاكلك حلها بنفسك!
لم تضف شيئا آخرا انقطع الاتصال وهو على نفس الحال البائس بل يمكن القول أنه أصبح أكثر بؤسا وشقاء بعدما أحبطته برفضها الصريح لتقديم يد العون له. خرج من السنترال يجرجر أقدامه وهو يحادث نفسه
لطفك بيا يا رب! هعمل إيه!
غمره شعور المعذب العاجز الفاقد للحيلة والوسيلة سار محڼي الرأس يتخبط في الطرقات والشوارع وهو متحرج للغاية من العودة إلى منزل حماته فبماذا يخبرها وقد وصلت الأمور لمداها الأخير
الانفصال عن وليدها كان عسيرا وغير يسير عليها شعرت تهاني وكأن روحها تتمزق وقلبها يتفتت بالكاد حاولت الاعتياد على مفارقته لتزاول عملها تبدلت أحوالها كثيرا وصارت أكثر شهرة وتميزا كل
الأبواب المغلقة فتحت من أجلها أصبحت تنتمي للطبقة الأعلى شأنا وبات يتم دعوتها للانخراط في أوساط لم تكن لتظن أبدا أنها ستصبح واحدة منهم حتى مكان عملها تحول لشيء يليق بمكانتها الجديدة. في قرارة نفسها كانت تتحرج من هذا الشعور الغريب الذي يناوشها من آن لآخر وتستنكره بأنها راضية عن النقلة الكبيرة في حياتها وإن كانت على حساب كرامتها لكن سرعان ما جاهدت لتسكت ذلك الصوت الداخلي المندد

بهذا لتقنع نفسها بأنها تفعل هذا مضطرة وإلا لعانت الأمرين وحرمت من كل شيء.
..............................................
لم تبرح مكانها بغرفة نومها بعدما اختلت بشقيقتها لتحدثها فيما نوت فعله حيث قررت الانتقال للحجرة الأصغر الخاصة بابنتيها وترك هذه ل فردوس وزوجها للإقامة بها لاتساعها ريثما يجدان مكانا مناسبا للعيش فيه وإن لم يحدث لم تشعرهما بالحرج لمكوثهما الدائم معها بل وزادت على ذلك باقتطاع جزء من معاشها الشهري وإعطائه لابنتها كمساعدة خفية في شراء ما ينقص. اعتبرت الأمر كتمهيد مسبق لتقبل الواقع المرير الذي فرض على الجميع ومحاولة التعايش معا. رفضت أفكار ما اقترحته بشدة وڼهرتها في استهجان 
ده اسمه جنان يا عقيلة!!
نظرت إليها مليا فأكملت ټعنيفها لها
إنتي كده بتريحيهم وبتقوليلهم خدوا كل حاجة على الطبطاب إزاي تعملي كده
استغربت من تحيزها الغريب ضدها ورغم هذا عللت لها دعمها غير المقيد بشروط مظهرة تعاطفها معها
ما هي بنتي وظروفها صعبة لازما أقف جمبها لحد ما حالهم يتظبط والحكومة تعوضهم بشقة ولا جوزها ربنا يكرمه ويلاقي مطرح تاني يعيشوا فيه.
بدت هجومية إلى حد كبير وهي تخاطبها
دي مشكلته ويتصرف ما أخوه خد أمه ومعيشها في الهنا برا الناس بتحكي وتتحاكى على اللي عمله معاه بس جه عند عوض وضاق به الحال المفروض يقف جمبه ويساعده ويشوف حل.
أطلقت عقيلة زفرة بطيئة وقالت في صوت مفعم بالأسى
ما احنا عارفين اللي فيها أمه لا عمرها طاقت البت ولا هترضى بيها احنا بنحاول نلم الدنيا على أد ما نقدر.
مصمصت شفتيها متمتمة
والله إنتي صعبانة
عليا محدش بالطيبة دي في الزمان ده!
في تلك الأثناء استرقت فردوس السمع لما يدور بينهما خاصة أن فضولها استحثها على ذلك بعد تكرار لقاءاتهما بعيدا عنها. في أعماقها كانت تشعر بأنها أهينت اتهمت باطلا بشيء لم تتسبب فيه أوغر ما سمعته صدرها وملأوه بالحقد لم تتحمل اتهاماتها المسيئة ولا ظنونها الباطلة فتحت الباب دون استئذان واندفعت للداخل موجهة كلامها إليها بانفعال
كفاية يا خالتي تملي ودان أمي ضدي حرام عليكي بقى!
تفاجأت أفكار من اقتحامها السافر وعنفتها في غيظ
إنتي واقفة تتصنتي علينا
ردت موضحة بحدة
لأ بس صوتك مسمع لبرا يا خالتي ولو اتكلمنا بحق الله عوض بيعمل اللي عليه بس ده قضاء ربنا.
نظرت لها شزرا قبل أن تسألها بسحنة منقلبة
طب ما يكلم أخوه ياخدكم معاه ليه رمي البلا ده على أمك
هتفت في حړقة
يا خالتي أخوه مرضاش بيا ورماني إنتي نسيتي الله حصل وفي الآخر أنا رضيت بالهم ورضيت بحكمك عليا ليه محسساني إني وحشة مع أمي وكل اللي حصل كان قضاء ربنا!
كل ما فاهت به أوحى بإدانة ملموسة لخالتها ولكنها تظاهرت بأنها لم تكن متورطة في الأمر برمته وأشاحت بوجهها للجانب موجهة حديثها لشقيقتها فقط
لما تحبي تشوفيني ياختي ابقى عدي عليا واهوو ناخد راحتنا في الكلام بدل ما الغرب يسمعونا.
ثم زمت شفتيها مجددا وقالت وهي تغادر الغرفة
سلام.
لم توصلها لباب المنزل كما اعتادت أن تفعل بل مكثت في مكانها تسأل والدتها بعينين ټغرقان في الدموع الساخنة 
هي بتعاملني كده ليه
اقتربت منها أمها وربتت على كتفها في إشفاق مهونة عليها حزنها قليلا فاستأنفت فردوس حديثها المرير
ما هي السبب من الأول في الجوازة دي!!
علقت عليها بحذر
ماتخديش على كلامها هي خالتك كده بتحب تتفك بكلمتين اسمعي من هنا وطلعي من هنا.
اڼفجرت فردوس باكية بحړقة وراحت تشتكي وتنوح في تعاسة جلية
أنا مش عارفة ليه حظي في الدنيا قليل كده
حينئذ أخذتها أمها إلى حضنها تاركة إياها تبكي على كتفها ظلت تربت على ظهرها وواستها بالكلمات اللطيفة ودت لو امتلكت مفاتيح السعادة وقتها لما بخلت عليها بها.
بعد مضي ما يزيد عن ستة أشهر بذلت خلالها ما في وسعها ليل نهار لنيل رضائه وإبداء فروض الطاعة الكاملة له فاجأها حين أمرها بالسفر معه إلى ذلك المؤتمر الطبي للغرابة لم تحضر فاعلياته مثلما توقعت! بل تركها وحيدة بالفندق حتى فرغ من التزامه ثم اصطحبها إلى أرقى بيوت الأزياء والموضة ليجري تغييرا جذريا في هيئتها الخارجية. اهتمت بها المتخصصات وجعلن مظهرها يبدو مغايرا تماما لما كانت عليه سابقا سيدة مجتمع رمن الطراز الأول اندهشت تهاني لما قرره بشأنها ورغم حيرتها إلا أنها أحبت الرفاهية المعروضة لها وأرادت الاستمتاع بها على كل الوجوه لحظتها توهمت أنه أدرك قيمتها إذ ربما يحاول تعويضها عما عاشته معه كانت حمقاء للدرجة التي جعلتها تصدق ذلك.
عادت إلى الفندق محملة بالحقائب المملوءة بالثياب والأحذية والحلي الباهظة تأملت ما صار ملكها مجددا في عينين مبهورتين وهي تكاد لا تصدق ما تخامره الآن من إحساس افتقدته بالنعيم والترف. تطلعت بتحير قلق إلى زوجها الجالس بعنجهية على الأريكة واضعا ساقه فوق الأخرى وفي يده إحدى سجائره الغالية. في البداية ترددت في سؤاله عن الأسباب التي دفعته لفعل هذا تغلبت على خۏفها وتساءلت
ليه ده كله واشمعنى دلوقت
أجابها بغطرسة وهو ينفث دخان سېجاره في الهواء
من النهاردة إنتي هتكوني واحدة تانية تليق باسم عيلة الجندي.
أصغت بعناية لما يخبرها به خاصة حينما أضاف
واجهة مشرفة مش مجرد
واحدة عادية والسلام.
راقها ذلك التغيير واستحسنته فقالت باسمة
حاضر اللي إنت عاوزه هعمله.
كادت تمضي فرحتها للنهاية لولا أن كدر صفو هذه اللحظات بقراره الصاډم
بالمناسبة انسي خالص إنك كان ليكي عيلة ساكنة في حارة.
برقت عيناها ذهولا وهو لا يزال يكمل
مش عايز أي صلة بيهم نهائي هما مالهومش وجود في حياتك.
ما طلبه ليس بمسألة عادية تخص العمل يمكن توفيق أوضاعها عليها الأمر أصعب بكثير إنه متعلق بأفراد
 

40  41  42 

انت في الصفحة 41 من 79 صفحات