رواية وبقى منها حطام انثى بقلم منال سالم
أفاقت إيثار من ذكراها التي باتت أكثر إيلاما ثم حاولت الإنتصاب في وقفتها ولكنها عجزت عن ذلك
لقد انحنى ظهرها وشعرت بإنكساره وكأن الهموم تثاقلت على كتفيها ..
سارت مبتعدة عن المكان ونسمات الهواء تجفف من عبراتها المتعلقة بأهدابها والملتصقة بوجنتيها حتى قادتها ساقيها لمنزلها ...
قسا القلب بداخله والعين أظلمت
صړخ قلبها بعشقه وبالرجاء توسلت
أيا قلبا عشقت لا تقسو فقد أمت
أهان عليك قلبي وبالافتراء ترميني
كفاك بالجراح عمقا فلا يوجد مايداويني
فوالله يا حبيبي إن جفاءك ېقتلني وبعدك لن يحييني
لم تنظر نحوه إيثار .. بل ظلت واجمة في مكانها وكأنها تتلقى العزاء في أغلى ما عندها ..
زادت إختناقة إيثار و همت بالتحرك لحبس نفسها في حجرتها ولكن إستوقفها أخيها قائلا بإندهاش
دي حاجات جيبتهالك على زؤي عشان جوازك
وكأن كلماته كانت كالملح الذي وضع على جرحها المفتوح فزاد من حدته ..
مين قالك محتاجة حاجة منك !
إرتفع حاجبي عمرو لاإراديا بإستغراب مش لازم تقولي اعتبريها هدية !
إيثار وقد تلوت بشفتيها بإمتعاض مش عايزة
_ ثم تركت المكان وولجت إلى داخل حجرتها في حين تحركت والدتها نحوه وتفحصت محتوى الأكياس لتجد العديد من ثياب العروس المنزلية .. فجلست على الأريكة وهزت رأسها بتحسر وهي تنطق
عمرو وهو يطأطئ رأسه للأسفل حاضر ياماما
_ التقط الأكياس ثم ولج لحجرتها بعد أن طرق الباب ووضعهم أعلى المنضدة وجلس على حافة الفراش بينما لم توليه هي أدنى إهتمام ..
مكنتش أتخيل أبدا إن هييجي يوم وتبقي مش طيقاني فيه ياإيثار
أطبقت إيثار على جفنيها لتزيد من شعوره بعدم إكتراثها ولم تجبه ..
نظرت له بسخط وتمتمت مع نفسها بإستنكار
مش هسامحك عمري كله كله ياعمرو !!!!
_ طال حديثه معها وهو يرسم أمامها خطوط المستقبل المبشر الذي ستحظى به بكنف زوجها كما تعمد التأكيد بعباراته بالإشارة عن نيته الطيبة ورغبته في أن تتنعم بحياة آمنة معه ..
وذكرياتها التي أصبحت گسراب الضوء في حياة مظلمة..
قطع شرودها صوت هاتفه الذي صدح عاليا فاضطر للنهوض والخروج من الحجرة ..
_ مرت عدة أيام كان مالك قد عزم افيها بأن يغادر أراض مصر كاملة ..
نعم فقد إعتقد أنها لن تسعه بعد الآن بعد شعور الغدر والخېانة ولكنه أخفى ما انتوى فعله حتى يتأكد من إنتهاء كل شيء بدون ضغوط من عمته وزوجها وحتى شقيقته الصغيرة .. خاصة وأن الفرصة التي جاءته لا تعوض ...
كذلك كانت الاستعدادات والتجهيزات لزفاف إيثار في أوج مراحلها .. فقد أصر والدها رحيم على إصطحابها لإختيار الأثاث المتبقي لبناء منزل الزوجية كما ذهب الجميع لرؤية محل الشقة التي ستقطن بها إيثار ..
وما أن عبرت إيثار عتبات المنزل الذي سيكون منزلها شعرت وكأن الدنيا تطبق عليها وتحبس أنفاسها بداخلها..
شعور بالإنقباض سيطر عليها لم تعرف مصدره ولكنها لم تكن مرتاحة على الإطلاق ...
_ كان المساء قد حل صعد مالك درجات السلالم فوجد رجلا غريبا لا يعلم هويته حاملا بيده العديد من الصناديق والحقائب الممتلئة بالحوائج المختلفة وكاد يقرع على باب منزله فإستوقفه بعبارته الجادة قائلا
حضرتك عايز مين!
_ نظر له ذلك الغريب بنظرات حائرة ثم دقق النظر بالورقة المدون بها الاسم والعنوان و عاود النظر إليه محدثا إياه بشكل رسمي
أنا حسن من سنتر عروستي يافندم مش دي شقة الأستاذ رحيم عبد التواب أنا جاي أسلمه آآ...
قاطعه مالك وهو يبتسم من زاوية فمه بتهكم قصدك أبو العروسة
رد عليه المندوب حسن وقد انعقد ما ببن حاجبيه بعدم فهم أفندم!
هز مالك رأسه بعدم مبالاة واجابه بفتور
ولا حاجة
_ مرت لحظات معدودة من الصمت ثم تابع مالك بنبرة محتقنة
وهو يشير بأصبعه للأعلى وقد تغيرت معالم وجهه للعبوس الأستاذ رحيم في الشقة اللي فوقينا
ابتسم له حسن وهتف بنبرة ممتنة شكرا يافندم
_ لملم المندوب الصناديق والحقائب القماشية ثم صعد للأعلى استطاع مالك أن يستنبط لماذا حضر هذا الرجل فهو مندوب من أحد المراكز الخاصة بتجهيز العرائس تلوت شفتيه بسخرية مريرة ثم هتف من بين أسنانه حانقا
اشبعي بيهم وبيه !!!!
_ عقب أن عبر عتبة منزله صفق الباب پعنف بين ولم ينتبه لوجود زوج عمته في الصالة الخارجية ولكن عندما وقعت عينيه عليه طأطأ رأسه ثم هتف معتذرا
أسف ياعمي
ضغط ابراهيم على شفتيه ليقول وهو يهز رأسه متفهما
ولا يهمك يابني تعالى طمني عليك
_ اقترب منه مالك ثم جلس على مقربة منه ونطق بلهجة جافة
بعد تنهيدة مطولة
الحمد لله عايز أبلغكوا بحاجة بس لما تيجي عمتي !
_ حضرت روان من الخارج والأرق بادي عليها بشدة نزعت الحقيبة عن كتفيها وهي تغلق باب الشقة ثم هتفت بضجر
مساء الخير
أجابها إبراهيم بهدوء مساء النور حمدالله على السلامة ياروان
ردت روان وهي تحاول رسم البسمة على ثغرها
الله يسلمك ياعمو !
نظرت هي لأخيها بنظرات معاتبة وهتف بصوت شبه متذمر
أخيرا الواحد شافك يامالك.. انا فقدت الأمل ياراجل !
_ نهض مالك عن مكانه ثم اقترب منها ليحتضنها بقوة فقد مرت بالفعل أيام عديدة لم يستطع أحدهما رؤية الأخر ..
ربت على كتفها برقة وهو يبتعد ثم تأملها لوهلة قبل أن ينطق بنبرة مازحة
واضح أن الدروس خدت بطاري منك !
_ أراحت روان رأسها على صدره ثم نطقت بإنهاك
أتبهدلت خالص يامالك الثانوية العامة هتجيب أجلي
مالك محاولا الشد من آزرها انتي أدها ياروني
_ حضرت ميسرة من المطبخ وهي تحمل بيدها حامل بلاستيكي صينية عليه صحون صغيرة زجاجية وما أن رأت الود بين ولدي أخيها الراحل حتى دار بمخيلتها أن تضاهي بين نموذجين للأخوين مالك وروان .. عمرو وإيثار ...
والحق يقال لا يجوز المقارنة ولا وجوه لها بهذه المضاهاه فاحتلت الفرحة بؤبؤي
عينيها ثم تقدمت صوبهم وهتفت بحماس أثناء إشارتها للصحون الصغيرة بعينيها
عملالك الرز بلبن اللي بتحبه يامالك يلا غير هدومك وتعالى !
ابتلع مالك غصة مريرة عالقة في حلقه فقد بدى الأمر عسيرا عليه ..
وأردف قائلا بصعوبة
عايزكوا في حاجة الأول
ميسرة وهي تسند الحامل على الطاولة قول ياحبيبي
مالك هاتفا بمرارة أنا مسافر كمان أسبوعين
انفرج فم روان بذهول گالبلهاء هه بتقول ايه !!
تحاشى النظر إليها وهمس من بين شفتيه بحذر تركيا !!
ثم صمت لوهلة قبل أن يضيف موضحا
صاحبي هناك وجاتلي فرصة شغل كويسة ومينفعش أضيعها
احتج إبراهيم قائلا
بس انت متعرفش لغة ولا هتعرف تتأقلم وسط ناس متعرفهمش !!
مالك مبتسما من زاوية فمه
متقلقش عليا ياعمي هعرف أتصرف
وبعدين صاحبي هناك وعارف كل حاجة وهيساعدني !
_ أحست ميسرة وكأنها على وشك خسارة ولدها البكري الذي لم تنجبه وإنما إبن قلبها الذي صنعته لها الأيام
ميسرة ب.. بس انت مبسوط هنا وشغلك موجود يعني ليه قصدي ملهاش لزمة الپهدلة يابني .. ليه عايز تبعد عننا
تنهد مالك بعمق وخرج صوته صعبا
مش هقدر أقعد هنا ياعمتي صدقيني
تجمعت الدموع في عيني روان واختنق صوتها وهي تعاتبه وتسيبني لمين يامالك أنا ماليش غيرك يعني يرضيك تسيبني في نص الطريق !
أطبق مالك جفنيه ليكبح رغبته الممېتة في البكاء وهمس بمرارة هابقى معاكي دايما ياروان وبعدين سنة ولا اتنين وهتلاقيني نطيت هنا من تاني وهقرفك !
صړخت روان بصوت مرتفع أذهل الجميع
كله بسبب إيثار هي اللي بوظت حياتك وحياتنا معاك.. أنا بدأت أكرهها عشان اللي بيحصل !!
لم تكن حالتها المنفعلة أقل من تلك الثورة الهائجة في صدر أخيها ولكنه عقد العزم على ألا يذكرها بأي حال فانفلت رغما عنه زمام الهدوء وصدر صوته مخيفا وهو ينفعل عليها روان
_ ألقت روان حقيبتها على الأرضية ثم تحركت نحو حجرتها وقد على صوتها بالنحيب في حين نكست ميسرة رأسها للأسفل وهي في حيرة من أمرها .. بينما خرج إبراهيم من حلقة الصمت وأردف بلهجة رذينة
مالك اللي بيسافر يابني مبيرجعش وبتحلاله العيشة بره لو عايز تسيب أسكندرية وترجع بعدين ماشي .. إنما بلاش يامالك تركيا دي
تابع مالك قائلا بهدوء حذر
هرجع ياعمي أنا سايب روحي هنا روان هنا ومستحيل أديلها ضهري ومرجعش تاني وأنتوا أهلي !
_ بكت ميسرة بصمت فأنتبه لها مالك مما أجج من النيران المشټعلة بداخله فجلس نصف جلسة ليكون موازيا لها ثم مسح على وجهها ونطق بحنو
أرجوكي ياعمتي متصعبيهاش عليا أنا ربنا وحده اللي يعلم إي جوايا !
_ أحس إبراهيم بأن وجوده بهذه اللحظة الخاصة بين الأم الروحية وإبنها لا يجوز فإنسحب في صمت ليترك لهما المساحة المتسعة للحديث والعتاب ...
نطقت ميسرة بنبرة باكية
روح القاهرة وأقعد هناك لكن متسيبش أمك هنا يامالك أنت أبني ياحبيبي !
_ تعمق النظر بعينيها ليرى شبح والدته المتوفاة فأندلع اللهيب بصدره ..
غمامة سوداء غطت ناظريه فلم يعد يقوى على الرؤية .. أطلق تنهيدة مريرة وهو يتابع بصعوبة
ربنا يخليكي ليا أنا لو لفيت الأرض مش هلاقي زيك .. بس مش هاقدر سامحيني !
_ كان الأسبوعين اللذين توالا بعد هذا اليوم من أعسر الأيام التي مرت بها إيثار وعاشها مالك
فانقطع الأمل عنهما وأختفى بريقه عن حياتهما
ورغم تعذر اللقاء إلا أن إيثار لم تترك وثاق الأمر بل جاهدت للتمسك به ليكون هو عضدها ..
حاولت مرارا الوصول إليه ولكنها عجزت عن ذلك وسط الحصار الفولاذي الذي أقيم حولها
وعندما سنحت لها فرصة ملاقاة روان ما كان من الأخيرة إلا الإجابة عليها بفظاظة وعڼف وهي تحملها في نظراتها المسئولية
مالك مسافر خلاص
سيبيه في حاله وكفاية الكسرة اللي عملتيها جواه !!!
لقد قضت بكلماتها على أخر أمل متبق لرؤيته ..
انتهى الحلم وتلاشت الأمال وظلت المرارة وألم الفقدان ..
_ علمت لاحقا بأمر سفره القريب والذي تصادف مع موعد الزفاف الذي حدده والدها مع محسن ..
كان هذا الخبر هو القشة الذي قصمت ظهر البعير ..
فقررت بيأس الاستسلام لمصيرها المحتوم ...
ولكن لم يترك عمرو هذا الأمر لها حيث أحضر لها فتاة متخصصة في إعداد العرائس وتجهيزهن لتتولى مهمة تجميلها ...
_ على الجانب الأخر كان مالك يحزم
أخر حقائبه لمغادرة مصر الليلة..
احتفظ بصور والدته ووالده