رواية فردوس وعوض(كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم
تماما وطاف ببصره على ما يحيط به. اعتدل جالسا وتساءل وهو يتثاءب
هو أنا نمت هنا ولا إيه
نزع عنه رابطة عنقه وراح يحل أزرار قميصه المتعرق والذي جعل أنفه ينفر من رائحة جسده غير اللطيفة ليبدأ في المشي بروية تجاه غرفته وجد زوجته ترتدي ثياب العمل وجالسة على طرف الفراش وكأنها في انتظاره ألقى نظرة سريعة على تعبير وجهها الغائم قبل أن يسألها
لم تنبس بكلمة فأولاها ظهره وخلع عنه قميصه متابعا كلامه إليها
الناس لما بيشوفوا بعض بيقولوا صباح الخير مش يدوا وش النكد ده
حينئذ نهضت واقفة وسألته في تحفز
مهاب إنت مش فاكر عملت إيه إمبارح لما رجعت!!
حانت منه نظرة جانبية غير مهتمة وهو يكمل نزع ثيابه غير النظيفة بالتدريج سحب من الرف ثيابا مرتبة تركها على طرف الفراش واستعد للذهاب إلى الحمام للاغتسال لحقت به تهاني عندما طال تجاهله لها مرددة في صوت شبه مرتفع وغاضب
التف كليا تجاهها وهتف في صدمة غريبة
نعم
أخبرته في حړقة ووجهها قد أصبح أكثر حمرة
أيوه طلقتني ودي المرة التالتة!
سكت قليلا كأنما يحاول استحضار ما دار بالأمس على عكسها كليا كان باردا في رده
أكيد إنتي استفزتيني ما أنا عارفك.
لم تصدق اتهامه المغيظ ودافعت عن نفسها بشدة فاستطردت قائلة
والله ما حصل ومصدقت تطلقني.
إيه العمل دلوقتي
استل منشفة نظيفة من أحد الأدراج وعقب
سبيني أفكر.
ظلت تستجديه في توتر خائڤ
أنا عملت كل اللي طلبته مني وراضية بأي حاجة بس أرجوك اتصرف أنا مقدرش أبعد عن ابني أو أسيبه!
ضجر من إلحاحها المزعج فنهرها في جفاء
يوووه اخرسي بقى وكفاية دوشة قولتلك هشوف حل...
اطلعي برا خليني أخد دش!
انسحبت في الحال مستجيبة لأمره صاغرة لعلها بذلك تسترضيه ولسان حالها يدمدم پقهر بين جنبات نفسها
منك لله يا مهاب ضيعت كل حاجة حلوة حلمت بيها في حياتي معاك!!
مثلما اعتاد أن يفعل في كل مرة
هاتفه ليلتقي به على انفراد وبعيدا عن الأعين
التالتة!
وكأن في ذلك طرفة لطيفة نوع من الانتصار الزهيد ضحك مهاب في تسلية ثم قال بهدوء مستمتع وهو يملأ حقيبته الجلدية ببعض الأوراق والملفات
تخيل ومكونتش دريان.
سأله ممدوح مستفهما في قدر من الفضول ونظراته تتابع ما يفعله باهتمام
نظر ناحيته وعقب
مش عارف بس هحاول أشوف حل لما أرجع من السفرية دي.
لم يكن على علم مسبق بسفره المفاجئ فسأله ليستعلم أكثر عنه
رايح فين
أعطاه جوابا مباشرا
فؤاد باشا بيرتب لحاجة جديدة وعاوزني أكون موجود جمبه.
مط فمه معلقا
بيزنس جديد كويس.
اتجه مهاب نحو باب غرفة مكتبه واستطرد متهيئا للمغادرة
يدوب ألحق أروح المطار.
قبل أن يدير بيده مقبض الباب استوقفه ممدوح بسؤاله المريب
والمدام عندها خبر
التف برأسه قليلا للجانب لينظر إليه وقال في شيء من العجرفة
لأ طبعا أنا مش مستني إذنها.
تابع أسئلته إليه باستفهامه التالي
بس لو سألت عليك!
حلت ابتسامة ساخرة على زاوية فمه قبل أن يرد
ابقى قولها إني سافرت.. سلام.
شيعه بنظرة ناقمة قبل أن يقول
مع السلامة!
استغل الفرصة التي واتته على طبق من ذهب الاستغلال الأمثل وشرع في ملء نفسها بالأحقاد والعداء تجاه من غدا طليقها عندما أتى لزيارتها في منزلها بحجة إطلاعها على سفر رفيقه المعد مسبقا فاستعرت كليا وأصبحت على شفير الانفجار من هول ما تحملته معه. تشنجت تعبيرات وجه تهاني وصارت عيناها أكثر احتقانا وهي تخاطب ممدوح بزفير محموم
الجبان! ولا كأنه عمل مصېبة!!
راقب ردات فعلها بهدوء الصياد الماكر كان يعرف جيدا كيف يجعلها تتلوى من الألم والۏجع دون أن يمسها ووقعت الأخيرة في الفخ فاسترسلت في البوح بما يتأجج به صدرها وقد انخرطت في نوبة من البكاء المرير
سابني أنا لواحدي تتحرق أعصابي وهو مش في دماغه وأنا هفرق معاه في إيه!!
لم يبذل أي مجهود في زيادة جرعات ڠضبها وعلق برأس شبه منكس
إنتي عارفة طبع مهاب.
بدت غير متحرجة من البكاء أمامه بل واعترفت له بندم حقيقي
كانت أكبر وأسوأ غلطة في حياتي يا ريت ما وافقت على ارتباطي بيه!
من على بعد لمح ممدوح طفلها مقبلا عليهما فحذرها بصوت خفيض
خدي بالك ابنك جاي مافيش داعي يشوفك بالشكل ده.
في عجالة مسحت دموعها المنهمرة بظهري كفيها وأخفت حزنها العميق خلف بسمة متسعة ألصقتها بوجهها ثم هبت واقفة لتستقبله في أحضانها وهي تناديه بحنان أمومي فياض
أوس حبيبي.
كان الصغير متكدر الملامح قليل الكلام استخبرت منه عن أحواله فسألته باهتمام واضح
عملت إيه في المدرسة
جاوبها الصغير باقتضاب ونظراته الڼارية اتجهت ناحية ممدوح
كويس.
لاحظ الصغير ذلك الاحمرار الغريب الذي يكسو حدقتيها فسألها
مالك
رفرفت بأهداب جفنيها متمتمة في ارتباك محسوس بصوتها
أنا بخير يا حبيبي متقلقش عليا.
تعذر عليها التورية ببراءة عما يعتريها خاصة مع ذلك الخاطر السريع الذي راود عقلها بشأن احتمالية حرمانها من رؤية فلذة كبدها لم تكن لتتحمل مطلقا خسارته اختنق صوتها فجأة وغص صدرها بالبكاء فاستأذنت بتوتر
هروح أغسل عيني لأحسن اتطرفت وراجعة تاني...
ثم منحت صغيرها قبلة رقيقة على وجنته قبل أن تطلب منه بلطافة
خليك إنت مع عمو ممدوح شوية.
جمد أوس عينيه الحادتين على وجهه وضاقتا بشكل محلوظ متحفز والأخير يخاطبه
أهلا يا ابن ال .. باشا.
ضغط على كملته الأخيرة ونطقها بشكل يوحي بالإهانة قبل أن يتابع بغير صوت لكن نظراته إليه أكدت تبادل نفس الشعور التلقائي بينهما بالنفور
تعرف أنا لله في لله مش بطيقك.
كان
صوته الداخلي يتكلم بما يكنه له حقا
إنت الدليل الحي على إن أبوك
دايما أحسن مني حتى في الۏساخة!
كز على أسنانه وبدا صوت همهمته غير واضحة حين أنهى حديث نفسه العابر
مسيره في يوم هيقع وهيكون مكانه تحت رجلي.
تنبه لقدوم تهاني حينما خاطبت ابنها
يالا يا أوس عشان تغير هدومك.
ظل ممدوح مكللا بصمته المستريب مما استحث تهاني على سؤاله بتحرج مع ملاحظتها لتبدل تعابيره لشيء غير مفهوم لها
هو ضايقك ولا إيه
في سلاسة وخبرة استطاع أن يبدد ما يجوس في نفسها من شكوك وابتسم في وداعة نافيا ما استشعرته
لأ إنتي بتقولي إيه بس!!
ابتسامته كانت متمرسة مخادعة وهو ما زال يخبرها كڈبا
ده أنا بحبه جدا فوق ما تتخيلي كأنه ابني بالظبط!
مضى وقت طويل على آخر مرة اجتمعا فيها معا لذا كان لقائهما ممتدا ومشحونا بالحديث عن العديد من المشروعات الهامة. كان الأمر الأخير المطروح على طاولة نقاشهما ذلك التعاون الجديد مع واحد من الشركاء الأقوياء ممن برز اسمه على ساحة رجال الأعمال مؤخرا رغم التحفظات التي تحيط بتضخم مصادر ثروته. بدا مهاب معترضا على محاولة الدمج بين الشركتين وأخبر والده بتخوفه من الخوض فيه
احنا مش محتاجين ده يا باشا! ومش ضامنين الشريك الجديد يعمل معانا إيه وخصوصا إنه مش سهل.
تفاهم معه فؤاد موضحا أسبابه بقدر من المنطقية
بس للأسف الوضع اليومين دول مش مبشر ده كفاية المشاكل اللي عملها سامي وورطنا فيها وخلانا نخسر جزء مش قليل من راس المال.
رغم تحفظه على اختياره لتولي أعمال العائلة منذ البداية إلا أنه لم يظهر اعتراضه عليه آنئذ لكن صمته هذه المرة سيكبد أسرته المزيد من الخسائر الفادحة لهذا تحدث بصراحة مطلقة
إنت عارف إنه مش أد الشغل التقيل يا باشا ودايما متسرع فأنا مش هقبل إنه يفضل مكمل بطريقته الفاشلة.
رد عليه والده في أسف
كنت عاوز أبعده عن طريقك بس الظاهر حسبتي كانت غلط.
تفهم موقف أبيه وتداركه في الحال
ماتقولش كده يا باشا هو اللي استهتر بالمسئولية اللي عليه ومقدرش قيمة اللي معاه.
ثم انتصب بكتفيه وأكد له بحماس متزايد
عموما أنا جاهز للي تؤمرني بيه.
استحسن ما أظهره من جدية وقال
طول عمرك مريحني يا مهاب.
أكمل بعدها الاثنان مناقشة بنود الاتفاق كل بند على حدا حتى تساءل فؤاد في اهتمام كبير
صحيح ماجبتش حفيدي معاك ليه
أجابه متحججا
المرة الجاية يا باشا يكون خد الأجازة من المدرسة.
رد عليه بإيجاز
عظيم.
ثم تداول كلاهما ما تبقى من بنود على روية ليضمن مهاب بذلك عدم توريط عائلته في أي شيء قد ينذر بالخسارة.
رغم انفصالها الأكيد عنه إلا أنها ظلت ماكثة في البيت مضطرة متقبلة الوضع الحرج فلا مكان غيره متاح لها لتذهب إليه أقامت تهاني في غرفة ابنها تنهش الأفكار المحيرات في رأسها وتلتهم الخواطر المؤرقات ما تبقى من صمودها. تربصت وانتظرت على أحر من الجمر عندما جاء ممدوح للقاء زوجها الذي عاد لتوه من سفره تعلقت بأمل محاولته المستميتة للمساهمة في إيجاد الحل المناسب لها لضمان عدم حرمانها من صغيرها أبدا خاصة مع التقلبات المزاجية لطليقها والتي تبدو في غالبيتها غير مضمونة العواقب. لم تتحمل التنصت عليهما فأعصابها مرهقة وقواها مستنزفة لذا انسحبت وبقيت تنتظر الخبر اليقين من أحدهما.
بداخل غرفة المكتب استقر ممدوح جالسا على الأريكة وتابع حركة رفيقه وهو يملأ كأسيهما بالفاخر من المشروب المسكر. ما لبث أن تدلى فكه للأسفل وراح يهتف في اندهاش ذاهل عندما اقترح عليه حله الجهنمي للأزمة الراهنة
نعم أنا أتجوز تهاني
كان يتحدث إليه كأنما
يأمره لا يطلب منه رأيا خاصة مع تأكيده
أيوه معنديش حل إلا كده...
بقي ممدوح
على حاله المستغرب بينما رفيقه لا يزال يخاطبه بعبارات موحية
وماتقلقش أنا هظبطك وأراضيك بقرشين حلوين.
حاجته إلى المال الذي يضعه في مقدمة صفوف الأثرياء وصفوة المجتمع كانت تفوق أي رغبة أخرى ومع ذلك تعلل بامتناعه عن القبول قائلا
بس الموضوع محرج دي مراتك...
ثم ثبت نظراته القاتمة عليه وهو يتم جملته بعبارة وصل مدلولها الصريح إليه في التو
إزاي تقبل إنها تنام مع غيرك حتى لو كنت أنا
رد عليه مهاب ببساطة شديدة وهو يتحرك صوبه
أنا مضطر لكده عشان أقدر أصلح الوضع.
ناوله كأسا من المشروب قبل أن يتابع بمزاح
وبعدين إنت مش حد غريب!
كالحرباء المتلونة تمسك ممدوح بحجته وأصر عليها
إنت فاهم إن ظروفي ماتسمحش أتجوز
ضحك في استمتاع وغمز له بطرف عينه هاتفا
اطمن كله بحسابه.
ثم أخرج من جيب سترته رزمة من النقود ليعطيها إليه وهو يأمره
خد دول مؤقتا.
تحايل عليه بمكر وأظهر له تردد في القبول مهمهما بتذمر طفيف
بس آ...
أصر عليه في تصميم
خلاص يا ممدوح ماتعقدش الحكاية!
وكأنه أعطاه مفتاح الخلاص ووسيلة أخرى للتربح منه ليس ماديا فقط بل بطرق أخرى مغرية. مد الأخير يده والتقط الرزمة الورقية ناظرا إليها باشتهاء قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة ماجنة أتبع ذلك قوله الهادئ والمشابه لمكر الثعالب
عشان خاطرك بس!!!
يتبع الفصل الثالث والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الشرف
أعطاه محاميه المخضرم أثناء فترة تواجده
بالعاصمة المصرية الفتوى اللازمة لحالة الطلاق الخاصة بوضعه وجاءت بأن طلاق عاقر الخمر