رواية عينيكي وطني وعنواني بقلم أمل نصر(كاملة)
يبقى هو اللي غدر بيها وسابها مش انا .
هدات حركتها فجأة ولكن ظلت رأسها تهتز بالرفض وهي تردد بإصرار
انا لا يمكن اصدق حرف واحد من إللي انت بتقولوا ..عشان انا اكتر واحدة كنت شاهدة على حبها ليك ..اللي كان بيصل لحد الجنون.. إنت اللي خونت واتخليت عنها لما سيبتها تواجه أهلها وتتحمل الذنب لوحدها.
افلتها فجأة يشير بأصابع يده على جانبي رأسه قائلا بانفعال
عشان أكيد كانت خاېفة منك ومن والدك وعلى سمعة أهلها فى المنطقة.
ضړب بكفه على ظهر الأخرى وهو يسألها بنفاذ صبر
طب سيبك مني ومن أهلي.. خلينا في أهلها هي بقى.. واجهتهم ليه لوحدها وماقلتلهمش عني مدام انا اتخليت بجبني زي مابتقولي.. يبقى على الأقل والدها الصعيدي الحر ..مش هايسكت عن حق بنته ولا هايسيب اللي غلط معاها بقى .
أهو والدها الصعيدي الحر ده..خد بنته وعيلته كلها وسافر على الصعيد وسابلك الدنيا بحالها .
رفع كفيه امامها في الهواء كإشارة
تمام اوي كلامك كدة.. انا مستعد يابنت الناس..اروح لها في قلب بيتها وقدام ابوها كمان.. أسألها واواجها وان طلع الحق معاها يبقى استاهل انا اللي يحصلي بقى من والدها وعيلتها هناك .
سألته بابتسامة باهتة وتابعت بمرارة
بعد السنين دي كلها عايز تواجهم ماهو خلاص بقى ماعدتش ينفع..عشان صاحبة القضية نفسها ماټت بالجنين إللي في بطنها وسرها اندفن معاها كمان.
جحظت عيناه وشحب وجهه بشكل مخيف.. وكان هذا هو نهاية الحديث العاصف بينهم قبل ان تذهبت من أمامه وتركته ينظر في أثرها متسمرا مكانه على سطح المبنى.
كانت عائدة من درس الرياضيات الذي اخدته مع المجموعة بعد انتهاء اليوم الدراسي فى مدرستها والتي كانت تبتعد عن مسكنها بالميدان بمسافة كبيرة.. ولكنها لم ترد العودة فورا لمنزلهم وفضلت الذهاب لبيت عمتها ورؤية ابنتها التي غابت منذ فترة طويلة عن زيارتها في منزلهم .. فبرغم فرق السنوات والذي تعدت الأربعة.. كانت فجر تعتبر فاتن صديقتها المقربة ..والسبب الرئيسي لنشأة هذه الصداقة كان الإلحاح من جانب فجر نحو فاتن الجميلة والرقيقة .. والتي لطالما اعتبرتها فجر نموذج يحتذى به ..فكانت تسعى دائما لتقليدها .. وهي كانت رقيقة ودائما متعاونة ومحبة لفجر ..فكانت دائما ما تدعوها بشقيقتها الصغيرة .. فور ان ترجلت من المواصلة العامة ..رأتها امامها وهي تعدوا بخطوات سريعة نحو الخروج من حارتهم .. ركضت خلفها تهتف باسمها مستغلة خفة وزنها لتلحلق بها
استدارت مجفلة على النداء فتوقفت عن السير بجوار إحدى المبانى حتى أتت إليها لاهثة .
اخيرا وقفتي.. دا انا قولت مش هاتسمعيني خالص النهاردة ولا هاتوقفي.
قالت بفتور
أهلا يافجر.. انتي إيه إللي جابك دلوقتي
ارتسم الحرج على وجهها مع بعض الدهشة فقالت
في إيه يافاتن هي دي مقابلة تقابلينى بيها برضوا وانا اللي جتلك جري بهدوم المدرسة عشان وحشتيني .. بعد مالقيتك غيبتي وماعدتيش تسالي عني ولا حتى تزوري بينتا .. بيت خالك زي الاول .
معلش يافجر .. بس انا اليومين دول ..مشغولة في اوي في المعهد والدروس ..عشان الامتحانات قربت .
كانت هذه اول مرة لفجر تلمح التغير الواضح الذي طرأ على ابنة عمتها الجميلة .. وجهها المستدير الناعم والنضر كان باهتا على غير العادة .. عيناها ذابلتان وحمروان وكأنها انتهت توها من
نوبة بكاء عڼيفة ..سألتها بقلق
فاتن هو انتي تعبانة ولا حد مزعلك
هزت رأسها وقالت نافية
لا طبعا.. إنتي ليه بتقولي كدة بس هو انا باين عليا اني تعبانة
باين جدا يافاتن.. هو إيه إللي حاصل بالظبط معاكي عمي بدر هو اللي مزعلك ولا عمتي فوزية .
لا عمك ولا عمتك هما اللي زعلوني.. انا اللي تعبانة لوحدي.. روحي انتي سلمي عليهم .. على مارجعت انا من مشواري ..دقايق مش هاعوق .
استنى هنا يافاتن ..انتي هاتمشي وتسيبني لوحدي مع عمتي فوق
حاولت جذب ذراعها وقالت بسأم
يابنتي اطلعي.. هو انتي عمتك هاتكلك .. انا مشواري قريب هناك .. فركتين كعب يعني مش هاتأخر .
قالت بلهفة وهي تشدد على ذراعها
طب خلاص خديني معاكي .
ڼهرتها غاضبة وهي تخلص منها ذراعها بقوة
يووه عليكي يافجر .. دا انتي بقيتي مزعجة اوي وهاتفرجي علينا الشارع كله.. سيبنى ياحبيبتى الله لا يسيئك.. ثواني مش هاتأخر ماشي ..ثواني .
توقفت فجر عن الإلحاح وتركتها تذهب وهي واقفة بمكانها محرجة من نظرات المارة التي ارتكزت عليها .. ولكن حب الفضول غلبها.. فسارت خلفها بخطوات بطيئة تتبعها .. حتى وجدتها توقفت امام محل كبير للأدوات الصحية بشارع اخر خلف حارتها ..و دلفت بداخله .
أكملت سيرها حتى توقفت امام واجهة المحل الزجاحية تنظر بداخله بالزي المدرسي ..حقيبتها خلف ظهرها ودفتر ورق بيدها.. رأتها تتحدث بضعف خلف رجل شاب يعطيها ظهره.. واقفا بعنجهية خلف مكتبه ينظر نحو صورة معلقة على الحائط بجمود واضعا يديه بداخل جيب بنطاله.. يستمع لها فقط ولا يتحدث .. حتى اذا انتهت إستدار اليها بحدة .. فتفوه ببعض الكلمات التي لم تسمعها فجر ولكن رأت وقعهم على وجه فاتن التي تدفقت دماعاتها امامه بغزارة تترجاه..فما كان منه إلا أنه أشار اليها بذراعه نحو باب المحل لتخرج .. وهي تترجاه بتذلل و قلبه القاسې .. لم يرق ولم يرضى سوى بطردها .. حتى خرجت من عنده مکسورة الخاطر ..مطأطأة الرأس وهو يتبع خروجها .. فالتقت عيناه بعيناها فجر من خلف الواجهة الزجاجية للمحل الذي وقف بوسطه بتجبر..ولم يشعر بالأسف نحو طرده لفاتن ولو لحظة .. عرفته فجر وقتها حينما رأته عن قرب ..فتذكرته فورا من صوره الموجودة مع فاتن .. إنه هو نفسه من دعته بالحبيب عدة مرات حينما كان مثار أحاديثهم طوال الشهور الفائتة ..قبل ان تنأى فاتن بنفسها وتعزل نفسها بعيدا عنها .. هو نفسه المدعو علاء ادهم المصري!
فجر .. هو انتي إيه إللي تاعبك بالظبط ومنعك تروحي شغلك النهاردة
افاقت من شرودها على صوت شقيقتها شروق وهي تدلف لداخل الغرفة.. فاعتدلت بجسدها جالسة على الفراش .. تستعيد توزانها بعد هذا اللقاء العاصف وموجة الذكريات التي لاحقتها مرة أخرى .. بعد أن ظنت نسانيها الماضي وماحدث به قديما..
يابنتي ما تردي عليا ..انتي ساكتة ليه
اجلت حلقها لكي ترد على شقيقتها
أيوة اا ..انتي كنتي بتقولي إيه
كنت بقول إيه! يانهار ابيض لدرجادي دي على كدة الست الوالدة كانت صادقة بخۏفها عليكي .
امي انا خاېفة عليا! هي قالتلك إيه بالظبط
اقتربت تجلس أمامها على الفراش وهي تنظر اليها بتأني وكأنها تتفحصها جيدا قبل أن تجيبها
قالتلي ياستي .. انك ډخلتي عليهم فجأه النهاردة الصبح وهما بيفطروا.. وشك مخطۏف واكنك كنتي معيطة ..ولما سألوكي مالك ولا كنتي فين.. قولتي انك كنتي على السطح بتشمي هوا.. وعينك بس طرفها التراب.. وبعدها ډخلتي جري على اؤضتك ولما سألوكي مش رايحة شغلك ..قولتي لأ مش رايحة عشان مصدعة من ليلة امبارح ومش حمل مناهتة مع الطالبات فى المدرسة!
طب ماهو دا اللي حصل
دا كلامك ياحبيبتى.. بس ماما مش مصدقاكي وقلقانة عليكى .
قلقانة ليه بقى
اقتربت إليها أكثر تسألها
بقى انتي مش عارفة ليه قلقانة ولا انتي مش حاسة بنفسك .. دا انتي وشك دبلان ولا اكنك معيطة بقالك شهر .
نهضت عن التخت قائلة بتهرب
ياشروق انتي كمان ..يعني هايكون إيه إللي يخليني معيطة دا بس شوية صداع جامدين هما اللي خلوني ادمع بالعافية.. بس الحمد للة..انا كويسة دلوقتى بعد البرشامة اللي اخدتها .
نهضت هي الأخرى تخاطبها بمهادنة
براحتك يافجر لو مش عايزة تتكلمي.. بس انا حاسة يعني والله اعلم .. انك ندمانة .
قطبت تسألها بدهشة
ندمانة على إيه بالظبط
قالت بتردد
يعني انا بقول انك لو ندمانة عشان رفضتى علاء .. احنا لسة فيها وانا ممكن اكلم حسين يصفي الامور مابينكم.
شهقت مستنكرة
ندمانة على مين ياختي بقولك إيه يابت ..ماتروحي تتسلى مع عريسك دا ولا خطيبك.. وحلي عني انا بلا ۏجع دماغ .. قال ندمانة قال .
مالت شفتيها المزمومة بزاوية فقالت
اتسلى معاه!..والنبي عمي علاء دا عسل وانتي اللي الخسرانة يافجر.
طب غوري بقى من اؤضتي مش نقصاكي غوري .
براحتك .
قالتها وتحركت بخطواتها لتخرج وقبل ان تصل لباب الغرفة هتفت عليها فجر
وانتي ماروحتيش على جامعتك ليه والساعة دلوقتي داخلة على عشرة الصبح .
قالت مبتسمة بدلال
ياحبيبتي انا عروسة وخطوبتي كانت امبارح..يعنى على الأقل اغيب النهاردة عشان خطيبي اللي جايلي بعد شوية يفسحني يلاقيني.
قالت حانقة
اممم .. طب اخرجي بقى بدلعك المرق ده واقفلي الباب وراكي .
مصمصمت بشفتيها تردد بمشاكسة قبل ان تخرج وتغلق الباب خوفا منها
ياسم!
بعد ان خرجت شروق وتفادت ضړبة من وسادتها.. وجدت نفسها تتناول حقيبة يدها المركونة على الكمود ..تفتش فيها حتى ظهر امامها هذا الكارت الصغير والمدون عليه الرقم الغريب والتي لم تظن بحياتها أبدا أنها ستستخدمه!
.....................................
بصيلي ياعلاء واسمعني.. انا مظلومة وربنا بس اللي شاهد على برائتي.. ياعلاء انا في حياتي ماشوفت راجل غيرك ..يبقى ازاي هاخونك بس ..بص في وش ياعلاء ..ياعلاء إسمعينى ابوس إيدك .
زفر بعمق وهو يفرك بكفه على صفحة وجهه وكلماتها تتردد داخل رأسه الان دون توقف.. كيف لذكرى تناساها منذ عدة سنوات ان تطل الان بقوة .. أغمض عيناه وهو يعتدل بجلسته على كرسيه خلف مكتبه داخل المحل ..اخذ يطرق بقلمه على سطح المكتب ذو الخشب المثقل بحيرة .. فمنذ الصباح وهو يشعر بنيران تشتعل بصدره.. هذه الأخبار الجديدة عليه تجعله كأسد حبيس بداخل قفصه ..النيران مشټعلة حوله من كل جانب وهو لا يعرف مصدرها ولا المتسبب فيها .. لقد نشأ الكره في قلبها نحوه منذ سنوات طويلة وهو كالأعمى.. لم يرى الأشارات..وهو الذي ظن انتهائه من قصة فاتن من زمن طويل!
نهض فجأة من مكتبه حينما لمح طيفها وهي خارجة من البناية .. تلتفت حولها وتتفادي السيارت حتى اعتلت الرصيف لتكمل سيرها نحو إحدي سيارات الأجرة.
ولا ياحسونة .
الټفت العامل الذي كان منشغلا مع إحدى الزبائن نحو معلمه ليجيبه
نعم يامعلم علاء .
تناول هاتفه وسلسلة
مفاتيحه وهو يأمره
خلي بالك من المحل.. انا خارج مشوار وراجع .
كلامي معاها لسة ما انتهاش
تمتم الاخيرة مع نفسه وهو يخرج سريعا.. ليعتلي سيارته ويلحق سيارتها .
..................................
توقف بسيارته على مسافة ليست بقريبة من مدرستها .. وهو يراقب خروجها من السيارة الأجرة ..ترجل من سيارته