رواية ندوب الهوي بقلم ندا حسن كاملة جميلة جدا
و عطوة للجلوس مع سمير في صالة المنزل يتحدثون بأمور عدة بينما النساء ذهبت إلى المطبخ وإلى غرفة السفرة الصغيرة لتحضيرها ووضع الطعام عليها..
وقفت هدير جوار والدة زوجها في المطبخ تضع الأطباق على الرخامة بهدوء وهي تنظر أمامها دون حديث على غير العادة وقد شعرت بها منذ أن أتت أنها ليست على طبيعتها نظرت إليها ثم أردفت بخفوت وهي تدقق بها
رفعت الأخرى رأسها عن الأطباق ونظرت إلى والدة زوجها تستدير إليها بوجهها ابتسمت عنوة عنها بتصنع مجيبة إياها قائلة
ماليش يا ماما فهيمة
تركت فهيمة صينية البطاطس التي كانت تأخذ منها لتضع في الأطباق واستدارت بجسدها تقابلها تنظر إليها بجدية تامة
مالكيش إزاي يابت أنت مش شايفة نفسك الواد جاد زعلك تاني
لأ يا ماما فهيمة إحنا
كويسين.. أنا بس حاسه النهاردة كده إني مرهقة ومش نايمة كويس
لم تشعر بصدقها في الحديث ولم ترى أي شيء في تعابيرها يدل على الخير بل هي تخفي شيء ومن المؤكد أنه بينها وبين ابنها جاد
أومأت إليها برأسها وابتسمت هذه المرة عن حق وهي تتأمل هذه المرأة الرائعة منذ أن تزوجت ابنها ولم تكن يوم حماة لها بل كانت بمثابة أم ثانية..
عادت كل منهما تفعل ما كان بيدها استمعوا إلى جرس الباب علمت فورا أنه زوجها واستمعت إلى صوت سمير وهو يشاكسه بمرح كعادته دلف إلى المرحاض لكي يغتسل ويعود ليجلس معهم تحدثت والدته قائلة بهدوء
قالت دون أن ترفع رأسها بجدية شديدة
هيحتاج ايه ده بيغسل أيده
استمعت إليها سعيدة والدة سمير فقالت بجدية وهي تقترب منها تاركة تلك الأكواب من يدها
مهما كان بيعمل يا حبيبتي روحي شوفيه لو محتاج حاجه ولا كده
تركت ما بيدها على الرخامة ونظرت عليهم بجدية بعد أن أومأت برأسها عدة مرات وهي تذهب إليه لتراه إن كان يريد شيء كما قالوا ذهبت وهي في طريقها إلى المرحاض وجدته يفتح الباب ويخرج منه ينظر حوله وكأنه يبحث عن شيء..
هو مافيش فوطة ولا ايه
ابتعدت إلى أحد الجوانب تأتي بالمنشفة المعلقة على الحائط وعادت إليه مرة أخرى تمد يدها بها فنظر إليها بابتسامة هادئة وهو يدقق النظر بها بينما يأخذ المنشفة من يدها يجفف بها يده..
هتف بصوت رخيم وهو يبتعد معها إلى أحد
الجوانب البعيدة عن حركات العائلة
نظرت إلى عينيه الرمادية التي تتحرك وتنظر إلى وجهها أبصرت شفتيه وهي تتحرك لتخرج الحديث من بينهما ولم تشعر بأي اهتمام به أجابت وهي تجذب ذراعها من يده قائلة بابتسامة مصطنعة
مافيش حاجه بالعكس أنا زي ما أنا أهو
أكملت تتسائل وهي تبصره بدقة واهتمام كبير لترى ردوده المباشرة من حركاته ماذا ستقول
أنت كنت فين النهاردة
وضع المنشفة مكانها خلف ظهرها وهو يستمع إلى سؤالها وأجاب عليها بمراوغة ظهرت لها لأنها تعلم أين كان
هكون فين يعني في الورشة
تعلم أنه ليس صادق بل يراوغ وېكذب ولا تدري إلى متى سيظل هذا الوضع وإلى متى هي ستصمت عما رأته وعما تعلمه وإلى متى ستخفي أمر حملها منه كل هذا يجعلها ټموت ألف مرة ولا تستطيع الحديث وكأنها خرساء عن ما تريد مرة أخرى هتفت تضيق عليه طريق الهرب بالإجابة
وقت الغدا يا جاد مكنتش تحت وكلمتك كتير مردتش عليا
آه صح أنا كنت في شغل بره الورشة
نظرت إليه وهو يهتف بهذه الكلمات بطريقة مفاجأة وكأنه كان متناسيا وتذكر الآن يا له من ماكر ابتسم لها وهو يبتعد عندما وجد سمير ينادي عليه وتركها تقف هنا تفكر في طريقته وحديثه نظرته وظهور اهتمامه بها وبتغيرها المفاجئ اعتقادا أنها ستسرد له ما بها..
حركت رأسها يمين ويسار وكأنها تنفض الأفكار عن عقلها وذهبت لتكمل في مساعدة الباقين لوضع العشاء..
وقد كان وضعوا العشاء
على السفرة بأشكال وأنواع كثيرة تليق باستدعاء العائلة بالكامل وكل فرد منهم له طبق خاص يحبه ك جاد مثلا الذي حضرت له زوجة عمه الحمام المحشي جلس الجميع على الطاولة وبدأوا في تناول الطعام وتذوقه بعد الاستنشاق إلى هذه الروائح الشهية التي جلبتهم من الصالة قبل أن يتم وضع الطعام بالكامل..
أردفت والدة جاد بحماس وابتسامة عريضة بعدما ابتلعت الطعام من فمها
العزومة الجاية هتبقى تحت عندنا بقى.. ولون دي كانت المفروض تبدأ من عندنا بس الحج عطوة والحجة سعيدة فكروا قبلنا
هتفت والدة سمير بجدية وهي تشير إليها بيدها تسرد ما حدث بينها وبين زوجها من حديث
والله يا أم جاد الفكرة فكرة الحج عطوة.. لقيته بيقولي كده ما تيجي يا أم سمير نعزم العيال وأخويا الحج ونقعد مع بعض شوية.. وأنا الصراحة ماصدقت قولت يلا
أكملت فهيمة من خلفها باهتمام وجدية وهي تضع بعض الأرز في طبق زوجها
يجعله دايما عامر يارب والعزومه الجاية بقى عندنا تحت.. بس تجولي من الصبح آه أنا مش جدعه علشان اطبخ لوحدي زيك
ابتلع سمير الطعام من فمه وأردف مجيبا على والدة عمه قائلا وهو يبتسم
والمرة اللي بعديها عندي بقى يا مرات عمي
كادت أن تجيب ولكن والدته أسرعت تهتف قائلة
لأ المرة دي بدأت من عند الصغير بعد عمك رشوان بقى يبقى جاد هو الكبير
كل هذا تحت أنظار جاد وزوجته يأكلون بصمت تام ويستمعون إلى الحديث الدائر بابتسامة دون تدخل وقد كان جاد في هذه اللحظات يتذكر حديث كاميليا وتبجحها به ومعه والأمر لا يبعد عن تفكيره ولو لحظة واحدة وكثير من الأفكار تلعب برأسه بطريقة بشعة وكأنها انتقلت من زوجته إليه..
ترك سمير الملعقة من يده وأخذ واحد من أصابع ورق
العنب الشهية الذي يفضله عن أي طعام وقال وهو يقف على قدميه بسعادة وبنفس الوقت هناك غرور مصطنع
طب أنا بقى عندي خبر يخليكم تتعزموا عندي قبل عمي رشوان ذات نفسه
ابتسم عمه وهنا استدعى انتباه جاد ونظر إليه بسعادة وقد علم أنه سيقول لهم بحمل زوجته وانتظارهم لمولود جديد رفعت هدير وجهها عن الطبق ونظرت إلى زوجها الذي وجدته مهتم بالأمر وينظر إليه وعينيه بها لمعة سعادة تزينها بحب..
سأله والده بفضول وهو ويضحك لأنه يعلم ابنه جيدا يبع الحديث بالمال
وايه هو الخبر ده بقى
أبتعد عن المقعد وذهب يخرج من الغرفة بعد أن تناول طعامه قائلا
خليه لما تخلصوا أكل علشان تحضنوا فيا كويس
خرج من الغرفة ذاهبا إلى المرحاض وتركهم في حيرة فنظروا إلى مريم بتسأل داخل عينيهم ولكنها أخفضت عينيها إلى طبق طعامها حتى لا يخجلها أحد منهم بسؤاله وتضطر أن تجيب عليه قبل زوجها..
أبصر جاد زوجته وجدها لا تأكل جيدا منذ أن جلسوا على السفرة أخذ طبق من أمامهم به محاشي مختلفة الأنواع ووضعه أمامها قائلا بصوت حاني خاڤت
مبتاكليش ليه
تركت الملعقة من يدها هي الأخرى ووقفت على قدميها قائلة بجدية
شبعت الحمدلله
استرسلت بصوت عال نسبيا ليستمع إليه عم زوجها قائلة بابتسامة عذبة رائعة
سفرة دايمة يا عمي
أجابها بوجه بشوش وهو يبتسم إليها
يدوم عزك يا بنتي
جلسوا جميعهم في صالة المنزل مع بعضهم البعض بين شاي مرة وأخرى عصير وفاكهة تدلف وتخرج والجو ملئ بالحماس والدفء الأسري رغم أن هناك من يشعر بالحزن الشديد يقطع خلاياه..
تسائلت سعيدة بفضول شديد ناظرة إلى ابنها وهي تجلس مقابلة له
ها يا سمير ايه
الخبر اللي هتقوله
وزع سمير نظره عليهم جميعا وانتهى بزوجته مريم ثم هتف بسعادة وحماس كبير ظهر عليه ولمعة عينيه بحب خالص ونظرة غريبة
فيه ضيف جاي علينا كمان تمن شهور كده
نظرت والدته إلى فهيمة للحظة لتستوعب ما الذي هتف به هل هو حقيقي حقا حقيقي بهذه السرعة!.. ظلت هي هكذا ولكن سرعان ما وقفت زوجة عمه على قدميها تتقدم منه ومن زوجته تهتف بالمباركة وهي تعانقه بسعادة غامرة وكأنه جاد
يا ألف نهار أبيض يا ألف نهار مبروك... دا ايه الخبر ده يا سمير ألف مبروك يا حبيبي
تركته وتقدمت من مريم التي وقفت على قدميها لتعانقها هي الأخرى مباركة لها تحت أنظار الجميع وقد أقترب سمير من والده يقبل يده وأعلى رأسه والآخر عانقه يتمتم له بسعادة
كبيرة وفرحة قد ألقاها شخص ما على بيتهم ورحل..
ترك والده وأقترب من عمه يقبل يده وأعلى رأسه كما فعل مع والده بسعادة وحب واحترام قبل أي شيء واستمع إلى المباركة من زوجة ابن عمه أيضا بابتسامة هادئة وحب ظاهر على ملامحها..
أقترب من والدته التي مازالت تجلس كما هي وتنظر إلى الجميع الذي يبارك له ولزوجته وقف أمامها يهتف ضاحكا
أنت جاتلك صدمة زيي لما عرفت ولا ايه.. لا أصحي مش كده
ألف مبروك يا ابن أبو الدهب
أبتعد عنه إلى الخلف فقال سمير ببشاشة وود
عقبالك إن شاء الله يا كبير
ابتسم جاد أكثر وهو يتمنى هذا من كل قلبه لا يدري كيف هو هكذا ولكن من كل قلبه يريد طفل منها ومنذ زمن وهذه الفكرة مسيطرة عليه بالكامل..
أبصرها ليجدها هي الأخرى تنظر إليه بطريقة غريبة وعينيها بها لمعة غريبة ك لمعة البكاء!.. تعاتبه!.. هذه النظرة نظرة عتاب كلي يعرفها جيدا وحزن مخفي داخلها لسبب لا يعلمه ولا تريده أن يعلمه..
أخفضت بصرها إلى الهاتف ونظرت إلى الساعة لتجدها الحادية عشر مساء فوقفت على قدميها قائلة إليه وهو يقف جوارها
أنا هنزل قبل ما نروح أشوف ماما وجمال
أومأ إليها بهدوء قائلا
شوية وهنزل اعدي عليكي نمشي
نظرت إلى عمه وزوجته بابتسامة واهتمام يظهر لهم وهي تعبر عن فرحتها بهذه الجمعة التي لم تكن جزء منها
ربنا يجعله دايما عامر يا عمي
ابتسم إليها وأجابت زوجته سريعا قبل منه قائلة
تسلمي وتعيشي يا حبيبتي
عن اذنكم هنزل أشوف ماما شوية
أومأت إليها برأسها وانشغل سمير مع والده وعمه فقالت فهيمة
سلميلنا على أم جمال يا هدير
تحركت إلى الخارج لتهبط إلى الأسفل فاستدارت بجدية
يوصل بإذن الله
ثم رحلت إلى الخارج لتهبط إلى والدتها وشقيقها قليلا تنظر على أحوالهم وترى شقيقها الذي انشغلت عنه بحياتها مع جاد التعيسة المدمرة للأعصاب الحاړقة للقلوب حياتها مع معذب الفؤاد..
بعد الذي فعله جاد مع كاميليا شعرت بالإهانة المرة ولكنها ليست تلك
المرأة التي تصمت عما حدث وتعترف بخطأها بل ستكابر وتعانده أكثر وأكثر وستفعل كما قالت له وفي نظرها سيأتي إليها جاد راكعا على قدميه لتسامحه عما بدر منه ستجعله يدرس كم كان هو المخطئ وهي التي تحدثت عن الصحيح والذي من المفترض