رواية خطايا بريئة(الفصل الثاني والثلاثين إلى الرابع والثلاثين) بقلم ميرا كريم
انت في الصفحة 1 من 10 صفحات
الثاني والثلاثون
من السهل أن نتفادى مسؤولياتنا ولكن لن نستطيع أن نتفادى النتائج المترتبة على ذلك.
في خضم كل ما تمر به حاولت أن تهاتفه كثيرا كي تطمئن على أحواله خاصة أنه في تلك المرات التي كان يسأل بها عن يامن وعلم باختفائه انقطعت اخباره عنها تأكلها قلبها عليه وخاصة كونه لم يجيبها لذلك ذهبت لمنزله القريب وها هي تطرق الباب لعدة مرات دون جدوى وإن كادت تيأس وتغادر فتح و تفاجئ بها
طالعت ثريا هيئته الرثة مستغربة ثم عاتبته
ايوة خالتك اللي نستها يا واطي ومهنش عليك تطمن عليها في غياب ابنها
نكس رأسه قائلا بخزي
حقك عليا
مش هتقولي اتفضلي ولا ايه
افسح المجال لها مرحبا
اتفضلي يا خالتي هو أنت محتاجة إذن
تقدمت ثريا بخطوات وئيدة قائلة
انا كنت حالفة مدخل البيت ده تاني بس اعمل ايه قلقت عليك وخۏفت لما اختفيت مرة واحدة
انا زي ما أنت شايفة...
تنهدت ثريا وهي تشمل هيئته الغير مرتبة ابتدائا من خصلات شعره المبعثرة إلى وجهه الشاحب وذقنه المستطالة دون تهذيب وعينه الغائرة وتلك الهالات الداكنة التي تحاوطها وتدل كونه لم ينم ولم يذق طعم الراحة من زمن لتتنهد وتقول وهي تجلس على أحد المقاعد القريبة مشمئزة من الفوضى التي تعم المكان والغبار الذي يكسو كل شيء حولها
لم يجيبها بل ظل منكس الرأس حين تساءلت
هي مراتك هنا
نفى برأسه وقال بخزي من نفسه قبل أي شيء أخر
لأ أصرت تطلق وطلقتها
لوت ثريا شدقيها وقالت متهكمة تذكره بحمئته لها
أصرت أمال فين الحب اللي كانت بتحبهولك وفين مصلحتك اللي كانت ھتموت عليها
بلاش تزودي همي يا خالتي كفاية عليا اللي حصلي ...لتحين منه بسمة مټألمة وينعي نواقصه وتلك النعم التي حرم منها
انا غبي وضيعت كل حاجة لا عارف انام ولا أكل ولا أشرب ولا ألبس والبيت زي ما انت شايفة حتى ولادي اتحرمت منهم
سايرته ثريا قائلة
اللي حصل حصل واظن ده كان قرارك ولازم تتحمل عواقبه... وبعدين مهما كان ولادك هيفضلوا ولادك و متنساش أن ليهم حق عليك مش معنى أنك طلقت امهم يبقى تنساهم وتاخدهم في الرجلين
بلاش حجج فارغة روح وشوف ولادك رهف اصيلة ومستحيل تعمل كده...
طب تفتكري في أمل تسامحني
رغم انها تعاطفت معه كأي أم ولكن تعلم حق المعرفة انه يستحق هو من اوصل ذاته لهنا لذلك ردت عليه بصراحة عادلة كي ترضي ضميرها
تسامحك ازاي يا ابني ده أنت حړقت كل المراكب وراك ومخلتش طريق رجعة وبعدين أنت اللي فرطت فيها وعمرك ما عرفت تحافظ عليها...وكنت مصمم على اختيارك ومفكرتش حتى تتراجع عنه في سبيل ولادك و كنت بتبرر اللي عملته و بتفرض عليها جوازك من التانية بالعافية وعايزها تتقبل وترجعلك الفلوس وتفضل ذليلة ليك...
مرر يده بخصلاته وقال بقناعات مازالت راسخة بركن ما من عقله رغم كل شيء
يا خالتي متصعبهاش عليا انا عارف إني غلطت وضعفت وبعدين انا معملتش حاجة حرام انا اتجوزت ومنكرش إني ندمت ...
الندم متأخر ومبقاش يفيد يا حسن
أنت جاية عليا يا خالتي
انا نصحتك كتير وكان عندي أمل تغير من نفسك بس أنت عمرك ما اتعظت ومع ذلك هكلمها يا حسن ومش علشانك لأ علشان العيال و علشان ابقى عملت اللي عليا وربنا يقدم اللي فيه الخير
وعند أخر قولها تهللت اساريره بشدة وهو يأمل في فرصة ثانية تعيد له الحياة.
اتى ذلك اليوم المنتظر وها هي تجلس على ذلك المقعد الوثير المقابل لفراشها التي لطالما استيقظت و وجددته يتأملها من عليه أثناء نومها فقد
فرت دمعة حاړقة كوت وجنتها بنارها ولهيب تلك الذكريات يهلك قلبها وسؤال لعين واحد يتردد برأسها كيف تمكن من خداعها فإن أحبها حقا...كيف هان عليه فراقها .
فقد مر على غيابه شهر واربعة عشر يوم وتسع ساعات و دقيقتين وبضع ثوان
عجاف كادت تفقد عقلها من دونه وملت من احتساب الوقت حتى تملك منها اليأس لدرجة انها اصبحت منطفئة لا تتحدث فقط شاردة ودمعاتها تنهمر من عيناها دون حديث تحتضن ذلك الثوب الذي عثرت عليه بشنطة سيارته بيدها وكأنه كافة احلامها تتجسد به...
انتشلها من بؤسها
دلوف ثريا قائلة بحنو شديد
كل سنة وانت طيبة يا بنتي
رفعت سوداويتاها الذابلة لها وقالت وهي تكفكف دمعاتها و تنهض تعلق فستانها بداخل خزانتها
وانت طيبة يا ماما ثريا
ربتت ثريا على كتفها بود وقالت ببسمة هادئة تواسيها
مش قولنا بلاش عياط حرام عليك نفسك يا بنتي
هزت رأسها واخبرتها بثبات واهي تحاول أن تجيده
أنا كويسة... و هبقى احسن
إن شاء الله يا بنتي ربنا هيصلح الحال
أومأت
لها نادين بحركة بسيطة تنم عن إحباطها لتتسأل ثريا
طيب ملبستيش ليه...البنات بره مستنينك...
لبست هو فستاني وحش
قالتها وهي تطالع ثوبها الذي انتقته بنفسها لتلك المناسبة البائسة...لتجيبها ثريا بعتاب
حلو يا بنتي بس لونه غامق!
علشان اسود يعني...عادي يا ماما ثريا كده كده الأيام زي بعض عندي ولولآ ميرال ونغم أصروا عليا مكنتش وافقتهم على فكرة العيد ميلاد اصلا
وفيها ايه بس البنات كتر خيرهم عايزين يفرحوكي وبعدين محدش هيحضر غيرنا
حانت منها
بسمة باهتة لم تصل لغيوم عيناها وقالت بيأس
عارفة... بس مبقاش في حاجة تفرحني يا ماما ثريا اليوم اللي كنت بستناه من سنين بقى كابوس بالنسبة ليا و عمري ما اتخيلت انه هيمر عليا من غيره
تنهدت ثريا واجابتها بحزن حاولت أن تداريه كي لا تزيدها عليها
حقك عليا يا بنتي
أنت اللي حقك عليا يا ماما ثريا انا مدينة ليك بحاجات كتير أوي سامحيني إني حطيتك في موقف صعب بينك وبين ابنك
احتضنتها ثريا بحنو قائلة
أنت كمان بنتي يا نادين
وبعدين ليك عليا أول ما ربنا يهديه ويرجع لقرصلك ودانه واخليه يتشحتف عليك علشان ترجعيله
حانت منها بسمة تمثل اليأس بها فكم تمنت لو أن يحدث ذلك فعلا ويعود لها ولكن كيف وهو للأن مازال يصر على عڈابها.
الله...الله مقضينها وسيبنا ولا على بالكم
قالتها ميرال بعتاب و انتشتلتها بها من دوامة افكارها لتجيبهاثريا بعدما اخرجت نادين من أحضانها
جايين أهو يا بنتي...
لتتدخل نغمايضا قائلة بدهشة
انا اول مرة اشوف عيد ميلاد من غير تورتة
ابتسمت ثريا واجابتها
التورتة جاية في الطريق متقلقيش وتعالى يلا نطلع باقي الحاجة من المطبخ
انصاعت نغم لها وساروا سويا للمطبخ بينما تساءلت ميرال بقلق
أنت كويسة
أومأت لها بحركة بسيطة من رأسها لتخبرها ميرال بقلة حيلة
طب يلا نطلع علشان لازم أروح قبل الساعة عشرة...
ابتسمت نادين وتساءلت
دي اوامر محمد مش كده!
هزت رأسها بنعم لتستأنف نادين بمغزى
هو حد جدع اوي يا ميرال اسمعي كلامه علشان بيحبك بجد
تنهدت ميرال وتحدثت
انا عارفة انه جدع وبسمع كلامه في كل حاجة
لتنصحها نادين بأسى كي لا تقع بما وقعت هي به قبلها
حاولي تتفهمي طباعه وتتعايشي معاها واوعي تستهتري بخوفه وقلقه عليك
مطت ميرال فمها واجابتها بعفوية
بحاول بس هو صعب اوي زي مادة المحاسبة المالية كده اللي كنا بنتهزء فيها
حانت من نادين بسمة عابرة وقالت
لسة فاكرة
اه فاكرة وفاكرة أنك كنت اشطر مني علشان يامن كان بيذاكرلك
وعند ذكره جمدت معالم وجهها لتتلعثم ميرال
هيرجع...هو صحيح احنا لغاية دلوقتي منعرفش حاجة وكل محاولاتنا اننا نلاقيه مجتش بفايدة بس انا متأكدة أنه مهما بعد هيرجع علشان بيحبك ومستحيل هيقدر ينساك بالسهولة دي
هزت رأسها ببسمة ممزقة فوق شفاهها وبداخلها تشكك بحديثها وكأن الحب اختلف منظوره عند الجميع إلا هي ...لتستأنف ميرال
طب يلا نطلع لماما ثريا ونغم
أومأت لها نادين واتبعتها للخارج إلى أن وصلوا لحديقة المنزل التي أشرفت ميرال ونغم على تزينها بالورود والكثير من البالونات الملونة...اقتربوا ثلاثتهم منها وعايدوها بود وبمحبة خالصة لها ولكن هي كانت تبادلهم المعايدة ببسمة باهتة لم تصل لعيناها وكأنها فقدت معه سعادتها وكافة سبل الحياة...
ليجلسوا جميعا ويتبادلون أطراف الحديث حين دلفت تلك الفتاة هادئة الملامح التي تذكرتها من الوهلة الأولى تحمل بيدها علبة كبيرة تحمل أسم مطعمه الشهير تعلقت عينها ب ثريا التي نهضت تستقبلها بحفاوة كبيرة وتلتقط منها قالب الحلوى ثم دعتها لموقعهم قائلة
دي رقية يا ولاد شيف بريمو وهي اللي عملت تورتة نادين
حيوها الجميع لتدعوها ثريا للجلوس بمقعدها جانب نادين وتنشغل بأخراج قالب الحلوى من علبته و وضعه على الطاولة
لتقول رقية
كل سنة وحضرتك طيبة
اجابتها نادين بإقتضاب
مرسي اوي...
لتتسأل رقية
هو حضرتك مش فكراني
لم تجيبها نادين لتسترسل هي ببسمة هادئة
أحنا اتقابلنا في مطعم مستر يامن
تجمدت نظراتها في العدم عندما تذكرت ذلك اليوم التي احتد الحديث بينهم بسببها وتعمدت أن تثير اعصابه كي تفض غليلها منه كونه مدح تلك ال رقية أمامها ودب بحديثه نيران مستعرة بقلبها وحقا لم تجد مبرر للأمر حينها ولكن الأن هي تعلم علم اليقين أنها كانت تغار عليه منها ولذلك أخذت موقع هجوم.
انتشلها من دوامة أفكارها التي قذفتها بعيدا صوت رقية
ماما ثريا وصتني على التورتة بتاعة عيد ميلادك واصريت اجيبها بنفسي بتمنى تعجبك
ابتسمت نادين بمجاملة وشكرتها ثم تساءلت بفضول
المطعم اخباره ايه في غياب يامن
ابتسمت رقية بثقة واجابتها دون أي نوايا سيئة
ماشي زي الساعة انا بشرف على كل حاجة بنفسي ومستر يامن بيديني التعليمات أول بأول
ابتلعت غصة بحلقها وتساءلت وقلبها يتلوى يترقب اجابتها
بيكلمك وبتكلميه!
اجابتها بتلقائية دون أن تنتبه لأثر حديثها على تلك البائسة من دونه
اه...بيكلمني هو وكلني بإدارة المطعم في غيابه وبجد انا ممنونة اوي لثقته وببذل أقصى جهدي علشان اكون أدها
تقلصت معالم وجهها وذات النيران اشتعلت بقلبها وكم شعرت حينها برغبة قوية بالبكاء ولكنها صمدت وتحاملت حتى لا ټنهار من جديد أمامهم.
يلا يا نادين نطفي الشمع
قالتها ثريا وهي تجذبها من يدها لتنهض قرب قالب الحلوى
الذي نقش عليه اسمها مثل الحزن الذي نقش تماما على وجهها لبقية اليوم وحمدت ربها أنه انتهى وقد كان ختامه أنها انفردت بذاتها وخاضت في نوبة بكاء هستيرية تنعي به ما توصلت له حياتها.
هناك دائما المزيد من الفرص للتصحيح لصياغة حياتنا بالطرق التي نستحق أن نعيش بها. لا تبددي وقتك تلعنين الفشل. إن الفشل معلم أعظم من النجاح. أنصتي تعلمي انطلقي.
اصطحبت أطفالها بيوم العطلة لشراء الكثير من لوازمهم وهاهي عادت بهم بعد يوم مليء بضحكاتهم و حافل بصخبهم المعتاد...
فقد تدلوا من سيارتها التي ابتاعتها في الأونة الأخيرة وحققت تلك الرغبة المكبوتة التي كان يعارضها بها دائما ويفرض عليها أن لا تخطوا خطوة واحدة سوى معه.
فقد حملوا